حكم من عجز عن عمارة أرضه الخراجية

قال رحمه الله: [ومن عجز عن عمارة أرضه أُجْبِر على إجارتها، أو رفع يده عنها] قال رحمه الله: (ومن عجز عن عمارة أرضه): إذا كانت الأرض خراجية فمعنى ذلك أن المطلوب تحصيل المصلحة منها لبيت مال المسلمين، وهذا يسميه العلماء: موارد بيت مال المسلمين، فلا بد أن تبقى موارد بيت مال المسلمين ثابتة، حتى يمكن الصرف من هذه الأموال على مصالح المسلمين، فهذه الموارد ينبغي أن يحافظ على بقائها، فإذا كان الذي أخذ الأرض الخراجية لا يستطيع أن يقوم عليها، لعجز، أو لكِبَر سن، أو لمرض، أو نحو ذلك، فيُجبَر على إجارتها لمن يعمرها، أو تنقل وتؤخذ منه إلى غيره ممن يقوم على استصلاحها ونفع المسلمين منها.

(أُجْبِر على إجارتها) الإجارة: عقد على منفعة بعوض.

والعقود المالية تكون أحياناً على الذات وأحياناً على المنافع.

فأنت إذا جئت إلى رجل وقلت له: بعني هذه الدار أو هذه العمارة بعشرة آلاف، فقال: قبلت، فإذا أخذ العشرة آلاف، فمعنى ذلك أنك تملك عين الدار التي هي العمارة، وعين الأرض، وتستطيع أن تسكن فيها، فالدار ومنافعها ملك لك، فإن شئت أن تنتفع بها في السكنى سكنت، وإن شئت أن تنتفع بأجرتها أجَّرتها على الغير وأخذت الأجرة، وإن شئت أن تهدمها فلا أحد يمنعك؛ لأنها ملكك، فقد ملكتَ العين والمنفعة.

في الحالة الثانية: أن تقول: أجرني هذه الدار شهراً بألف، فمعنى ذلك أنك تملك المنفعة فقط وهي: السكنى فيها، فلا تستطيع أن تهدم هذه الدار، ولا أن تبيعها للغير، ولا أن تهبها، ولا أن تتصدق بها؛ لأن الذي تملكه هو السكنى فيها فقط.

فالإجارة هي المنفعة، فمعنى ذلك: أن الأرض الخراجية ملك لبيت مال المسلمين، لكن منفعتها من زراعتها وحراثتها والقيام عليها وما يكون منها من نتاج هذا هو الذي يستأجر، وإجارة الأرض للزرع فيها خلاف بين العلماء، وجماهير العلماء على جواز ذلك خلافاً للظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأن ما كان بشيء معلوم فلا بأس) أي: في إجارة الأرض، فدل هذا على مشروعية إجارتها للزراعة مثل مسألتنا، لكن يشترط في إجارة الأرض للزراعة أن يكون فيها ماء؛ لأنه إذا استأجرها للزراعة ولا ماء فيها، فهذا من إجارة الغرر، وحينئذ لا يصح، إلا إذا كان يجلب الماء إليها، كأن يحمل الماء إليها، أو يجريه بقنطرة، أو غير ذلك.

فالمقصود: أن الإجارة تكون على الأرض الخراجية، أي: أن يترك الغير ينتفع بها لأجل مصلحة بيت مال المسلمين كما ذكرنا.

(أُجْبِر على إجارتها أو رفع يده عنها) (أو رفع يده عنها) حتى تعطى للغير ويقوم باستصلاحها ونفع المسلمين منها.

(ويجري فيها الميراث) فإذا كانت هذه الأرض خراجية، وقام عليها إنسان ثم توفي، وجاء ورثته وقالوا: نريد هذه الأرض لنقوم عليها مثلما كان أبونا يقوم عليها، وندفع ما كان يدفع، فإنهم يرثونها وينزلون منزلة أبيهم؛ لأن الفرع آخذ حكم أصله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015