المسألة الثانية: ما هي محظورات الإحرام؟ المحظورات تسع: أولها: لبس المخيط، وثانيها: الطيب، وثالثها: تغطية الوجه، ورابعها: تغطية الرأس، ومنه الأذنان، وخامسها: حلق الشعر أو قصه أو نتفه، وسادسها: تقليم الأظفار، وسابعها: عقد النكاح، وثامنها: الجماع ومقدماته، وتاسعها: قتل الصيد.
ومنهم من يقول: الصيد، ومنهم من يقول: إتلاف الصيد، والمعنى واحد، وإن كانت بعض التعبيرات أدق من بعض.
أولاً: لبس المخيط، يقال: لبس الثوب إذا دخل فيه، والمخيط: يشمل المخيط المعتاد المفصل على الجسم، وما في حكمه؛ كالمحيط بالعضو كما سيأتي، قال بعض العلماء: يخرج من هذا الارتداء؛ كالقباء ونحوه، فاللبس: أن تدخل يديك، والارتداء: أن تضع الشيء على عاتقك دون إدخال، مثال ذلك: لو أخذت هذا البشت أو هذه العباءة ووضعتها على كتفيك وأنت محرم من شدة البرد، فإنه لا يصدق عليك أنك قد لبست، هذا إذا قلنا: إن اللبس لا بد فيه من الإدخال، أما إذا قيل بمطلق اللبس، فإنه يشمل من وضعه على كتفه سواءً أدخله أو لم يدخله، وهذا هو الفرق بين قولهم: الارتداء، واللبس.
وهنا مسائل: أولاً: ماهو الدليل على أنه يحرم على الحاج والمعتمر أن يلبس المخيط؟ وثانياً: ما هي مسائل لبس المخيط؟ أما الدليل على تحريم لبس المخيط على المحرم سواءً كان بحجٍ أو عمرة، فقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر -وهو في الصحيحين-: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، فالمخيط إما أن يستر أعلى البدن كالقميص، وفي حكمه ما يسمى الآن -وأنا أحب دائماً أن نمثل بالأشياء العصرية؛ لأن بعض طلاب العلم يسمع أسماء قديمة ثم ترد عليه مسائل عصرية فلا يحسن الجواب فيها؛ لأنه عرف القديم ولم يعرف تطبيقه على الجديد- فبعرفنا اليوم الفنيلة الموجودة الآن هذه سترٌ لأعلى البدن، والكوت سترٌ لأعلى البدن، فاللباس إما أن يكون ساتراً لأعلى البدن، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا القمص)، أو يكون ساتراً لأسفل البدن: (ولا السراويلات)، ومثله البنطلون الموجود الآن، وسواءً كانت طويلة أو قصيرة، ثم قد يكون اللباس جامعاً بينهما كالثوب، قال عليه الصلاة والسلام: (ولا البرانس)، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن الفقه أن تنظر إلى معاني الأحاديث، وأن لا تقتصر على ظاهر اللفظ فقط؛ فلو كان ظاهر اللفظ هو المراد فقط لكان عليه الصلاة والسلام ذكر لبساً معيناً وقال: لا تلبسه، ولكن كونه يحدد المواضع ويأتي بأمثله -لكل موضعٍ بما يجانسه- فإن هذا يدل على اعتبار الرأي، وفقه معاني النصوص.
والبرنس يغطي أعلى البدن وأسفله، وبناءً على ذلك نقول: نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم ستر أعلى البدن بالقميص، وستر أسفله بالسروال، وستر جميعه بالبرنس، فلو سألك سائل عن الثوب الموجود الآن، فنقول: يحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على تحريم البرنس والقميص والسروال، والثوب أشد من القميص والسروال، وهو في حكم البرنس، وإن كان لا يغطي الرأس.
الدليل الثاني على تحريم لبس المخيط: حديث الأعرابي، وهو في الجعرّانة أو الجعرَانة، لغتان، وذلك لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف اعتمر من الجعرّانة، فجاءه أعرابي عليه جبة، فقال: (يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)، فحرم عليه لبس المخيط، وبهذه النصوص الصحيحة الصريحة نص العلماء على تحريم لبس المخيط، ويستوي في ذلك كما قلنا: أن يكون لأعلى البدن، أو لأسفله أو لجميعه.