Q نرجو توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تقبل الله حجه: (رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم هذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن من حج ولم يرفث ولم يفسق، وكانت نيته خالصة لوجه الله عز وجل، وأعطى لهذه العبادة حقها، وأقام لها حقوقها، فإنه يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، بلا ذنب لا صغير ولا كبير، وهذا حديث عام، وقال بعض العلماء بالتخصيص، ولكنه ضعيف، والصحيح: أنه لا يبقى له ذنب لا صغير ولا كبير على ظاهر النص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، قال العلماء: وهذا أمر عزيز، ولا شك أنه لا يمكن أن يكون إلا بجهد جهيد، وتوفيق من الله عظيم، والسبب في ذلك واضح، ولذلك قال تعالى: {فَلا رَفَثَ} [البقرة:197]، وفي الحديث: (من حج هذا البيت فلم يرفث)، وفي الحج تكون هناك من المناظر التي لا يستطيع الإنسان أن يحفظ بصره ويغضه إلا بخوف من الله شديد، ومراقبة لله سبحانه وتعالى، ويحفظ جوارحه؛ لأن الرفث يشمل كل ما يكون من دواعي الشهوة، فيشمل ذلك حركاته وسكناته وكلماته، وما يكون منه من أفعال، خاصة إذا كان معه أهله وزوجه، فإن هذا يحتاج إلى نوع من المجاهدة.
والفسق هنا يشمل صغائر الذنوب وكبائرها، بمعنى: أنه لم تحدث منه أي زلة ولا خطيئة، إلا ما كان من اللمم الذي يغفره الله عز وجل بالصلوات الخمس، فإذا حفظ الإنسان نفسه، فحينئذٍ قالوا: إذا حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فهو نصٌ صحيح صريح لم يستثن شيئاً، ولذلك القول: بأنه تغفر له جميع الذنوب صغيرها وكبيرها قول صحيح.
لكن بعض العلماء يقول: إن الحقوق التي للناس لا تغفر، والسبب في هذا أنه يشترط في التوبة رد المظالم، والجواب: أنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فهو ويمكن أن يجاب: بأن الله يتحمّل عنه حقوق عباده، إذا كان لم يستطع القيام بها، وهذا اختاره بعض العلماء والأئمة إعمالاً للنص على ظاهره، أي: أنه يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وما كان من حقوق للعباد خاصة إذا عجز عن وفائها وأدائها فالله عز وجل يتحملها عنه، وكان بعض العلماء يقول: قلّ أن يحج إنسان ويوفق للحج المبرور إلا وظهرت عليه دلائل التوبة النصوح، ووفقه الله عز وجل حتى للخروج من المظالم، وهذه من رحمة الله، فإن الله إذا أراد أن يعفو عن عبده ويغفر له هيأ له أسباب العفو والمغفرة، حتى إنه ربما تكون بينه وبين إنسان مظلمة، ولم ير هذا الإنسان منذ زمن بعيد، فيشاء الله أن يراه في ساعة لا يتوقع رؤيته فيها، كل ذلك من حبه سبحانه للعبد، فإذا أحب الله العبد ورأى منه صدق التوبة والإنابة هيأ له كل أسباب القبول، ووضع له أسباب الزيادة من البر والإحسان والخير والطاعة، كما قال سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين يعد عباده المهتدين: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17].
فالذي يصدق مع الله، ويقوم بالفرائض، ويؤديها على أتم الوجوه، يهيئ الله له من عنده بتيسيره وفضله ومنّه وكرمه ما يكون معونة له على القبول، وعلى حصول الخير المرجو من طاعته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك يقول العلماء: لهذا القبول أثر وله حلاوة يعرفها من عرفها، ويجدها من وجدها.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن لا يجعلنا من المحرومين، وأن يجعلنا من عباده المرحومين.
والله تعالى أعلم.