قال رحمه الله: [ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئاً].
قوله رحمه الله: (ويحرم على من يضحي)، أي: يحرم على الشخص الذي يريد أن يضحي أن يقص شعره، أو يقلم أظفاره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسن شيئاً من شعره ولا ظفره)، فنهى عليه الصلاة والسلام عن مس الشعر ومس الظفر، وفي هذا الحديث مسائل: المسألة الأولى: أن هذا النهي للتحريم.
وقال بعض العلماء: بل هو للكراهة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحرم على نفسه شيئاً إذا فتل قلائد هديه).
والصحيح: أن هناك فرقاً بين الأضحية والهدي، فمن أراد أن يضحي فلا يجوز له أن يمس شيئاً من الشعر ولا الأظفار حتى يضحي.
المسألة الثانية: أن هذا الحكم يختص بالشخص نفسه، ولا يشمل الذين يراد أن يضحى عنهم، فأبناؤه وبناته وزوجته ونحوهم لا يمتنع عليهم أن يقصوا ويقلموا أظفارهم؛ والسبب في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي)، ولم يقل: أو يضحى عنه، وإنما خص الحكم بمن يضحي بعينه، فيختص الحكم بمن يضحي ولا يشمل قرابته وأهل بيته.
المسألة الثالثة: يشمل هذا الحكم شعر البدن كله: شعر الرأس، واللحية، والإبطين، وشعر اليدين، والساعدين.
المسألة الرابعة: يشمل هذا الحكم الرجل والمرأة، فالمرأة إذا أرادت أن تضحي فلا تمس شيئاً من شعرها ولا ظفرها؛ وللعلماء رحمهم الله في ذلك علل، قال بعض العلماء: لأنه إذا ذبح الأضحية كاملة أعتقه الله من النار كاملاً، وهو أمر غيبي يحتاج إلى نص، ولا أعرف فيه نصاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمراد بالعشر: عشر من ذي الحجة، فإذا أهلّ هلال عشر ذي الحجة فإنه يمتنع عما ذكر.
وقال بعض العلماء: لا يمتنع من قص الشعر والظفر إلا إذا اشترى الأضحية، بمعنى: أنه عندما يشتري الأضحية ولو في اليوم السادس أو السابع فإنه يمتنع عليه قص الشعر والظفر من حين شراء الأضحية؛ لأنه لا يكون فعلاً مريداً للأضحية إلا إذا كان هناك أضحية حقيقية، وهذا قول مرجوح.
والصحيح: أنه يمتنع من كل شيء ببداية ذي الحجة إذا نوى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم)، فقال: (أراد)، والإرادة معروفة، وهي: توجه قصد الإنسان للشيء، فإذا كانت عند الإنسان إرادة فإنه يمتنع، لكن لو كان فقيراً ودخل عليه هلال ذي الحجة وهو فقير أو مديون وليس عنده ما يشتري به الأضحية، فقال: لا أستطيع أن أضحي هذه السنة، فدخل اليوم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، ثم في اليوم السادس يسر الله له بمال يمكنه أن يشتري به الأضحية، فيمسك من اليوم السادس؛ لأنه لم يُرد الأضحية إلا حينما تيسرت له في ذلك اليوم.