الفوات مأخوذ من قولهم: فات الشيء، إذا ذهب ولم يستطع الإنسان أن يدركه.
والإحصار مأخوذ من الحصر، وأصل الحصر: المنع، يقال: حصر عن الشيء، إذا منع منه، والحصر والقصر كلٌّ منهما فيه معنى الحبس عن الشيء والمنع منه.
ومعلوم أن المكلف مطالب -في الأصل- بإتمام عبادة الحج والعمرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذلك فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، ثم قال سبحانه: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فقسم الله عز وجل العباد إلى قسمين: قسم يتم عبادة الحج والعمرة، وقسم يحصر عن حجه وعمرته، ومن هنا لزم بيان أحكام الفوات والإحصار.
أما الفوات فمسائله متعلقة بالحج فقط، وأما العمرة فلا يقال: فيها فوات، إلا في حق من حج قارناً، فقرن حجه مع عمرته؛ لأن العمرة في حق القارن تكون داخلة في حجه، وحينئذٍ يقال: فاتته العمرة.
فالفوات في الأصل يكون في الحج؛ والسبب في تعلق الفوات بالحج: أن العمرة يجوز إيقاعها في سائر أيام العام ولياليه، بخلاف الحج فله ميقات معين وزمان محدد، كما أخبر الله جل وعلا عنه بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، ومعلوم أن كل معين محدد أو مؤقت بزمان لا يتمكن كل المكلفين من إيقاعه في الزمان المعتبر له؛ كالصلاة، فإن الله جعل لصلاة الفجر مثلاً ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وليس كل الناس يتمكن من إيقاعها في هذا الزمان، فلربما نام عنها شخص ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وحينئذٍ يرد
Q ما حكم من فاتته عبادة الصلاة على هذا الوجه؟ وكذلك يرد السؤال: ما حكم من أحرم بالحج ولم يستطع الوصول إلى عرفة قبل فجر يوم النحر، وإنما وصلها بعد طلوع الفجر؟ وحينئذٍ يحكم بفوات حجه.
يقول المصنف رحمه الله: (باب الفوات والإحصار).
وكأنه يقول: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل الشرعية والأحكام المتعلقة بمن فاته الحج أو أحصر عن الحج والعمرة.