بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ثم يفيض إلى مكة].
شرع رحمه الله في هذا الفصل ببيان ما ينبغي على الحاج يوم النحر بعد فراغه من رميه لجمرة العقبة، وقد كان من هديه صلوات الله وسلامه عليه: أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة نحر ثلاثة وستين بدنة؛ والسبب في ذلك: أنه كان قارناً الحج والعمرة، ثم إنه عليه الصلاة والسلام بعد أن نحر حلق رأسه، ثم نزل فطاف طواف الإفاضة.
قوله: (ثم يفيض) الإفاضة: أصلها الكثرة، وفاض الخبر إذا شاع وانتشر، وفاض الوادي إذا سال بالماء الكثير، ويسمى هذا الطواف: بطواف الإفاضة، ويسمى: طواف الزيارة، ويسمى: طواف الركن، ويسمى: الطواف الواجب، ويسمى: طواف الصَدَر، بفتح الصاد والدال، كلها أسماء لهذا الطواف، وهذا الطواف يعتبر ركناً من أركان الحج، والأصل في وجوب هذا الطواف وركنيته قوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، فأمر الله سبحانه وتعالى بهذا الطواف، وأجمع العلماء رحمهم الله على أنه ركن من أركان الحج، إلا أن بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله يعبر عنه بالواجب، أما فرضيته ولزومه فهذا محل إجماع بين العلماء رحمهم الله.
ومعنى قوله: (ثم يفيض) أي: يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة.