مما يبطل به الطواف فعلاً أو تركاً

قال رحمه الله تعالى: [ومن ترك شيئاً من الطواف، أو لم ينوه، أو نسكه، أو طاف على الشاذروان، أو جدار الحجر، أو عريان أو نجس لم يصح].

قوله: [ومن ترك شيئاً من الطواف].

في هذه الجمل يشير المصنف إلى أمورٍ لابد من توفرها للحكم بصحة الطواف.

أولها: أن الطواف لابد وأن يكون كاملاً، فإذا ترك شيئاً من الطواف -وشيئاً نكرةٌ- لم يصلح طوافه، فلو ترك -كما قالوا- خطوةً واحدة فإنه حينئذٍ لا يصح ذلك الشوط حتى يتم هذه الخطوة، فإذا لم يتمها بطل طوافه كله إن خرج من البيت، ولزمته الإعادة كما ذكرنا.

والسبب في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف السبعة الأشواط كاملةً، وعليه فإنه إذا انتقص شيئاً منها لم يطف كما أمره الله تعالى، ويلزمه حينئذٍ قضاء هذا الشوط، أو التدارك إذا أمكنه التدارك.

ويحصل التدارك لو كان الشخص -مثلاً- في آخر شوط، وبدل أن ينتهي مقابلاً للحجر انصرف قبل أن يستتم الطواف، فبقيت له خطوتان، أو ثلاث، أو أربع، فحينئذٍ يرجع من الموضع الذي انصرف منه ثم يتمه، فإذا فعل ذلك صح طوافه، وأما إذا لم يرجع، ولو كان القدر خطوة واحدة -كما ذكرنا- فإنه حينئذٍ يبطل الطواف إن خرج من البيت.

قوله: [أو لم ينوه].

من شروط صحة الطواف: النية، قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر:2]، والطواف بالبيت من العبادة والقربة، ولا يمكن له أن يتحقق إلا بالنية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، أي: إنما اعتبار الأعمال وصحتها بالنية، فإذا لم ينو الطواف لم يصح طوافه، أي: لم يصح على الوجه الذي يريده، فلو دخل لطواف عمرة، أو دخل لطواف ركن في الحج ناسياً، فحينئذٍ لا يجزيه ذلك، وتلزمه الإعادة.

قوله: [أو نسكه].

كشخصٍ أحرم إحراماً مبهماً، ولم يعين إحرامه قبل الطواف بالبيت؛ لأنه يصح -على أحد أقوال العلماء كما اختاره المصنف وغيره- أن يحرم بالعمرة والحج إحراماً مبهماً، ثم يعين قبل أن يبتدئ الطواف، فإذا ابتدأ الطواف ولم يعين فحينئذٍ لا يقع طوافه عن الفرض، ويبطل فرضاً، ويلزمه أن يعيده بعد تعيينه.

قوله: [أو طاف على الشاذروان].

هي قمة قدرها ثلاثة أذرع ارتفاعاً من الأرض من البيت، وهي من البيت، ولابد لهذا القدر أن يطوف الإنسان عليه بجسمه، بحيث لو رقى عليه فإنه لم يستتم الطواف على الوجه الشرعي، فلا يصح طوافه من هذا الوجه.

قوله: [أو جدار الحِجْر].

طبعاً الحجر ليس كله من البيت، وإنما قيل: قدر ثلاثة أذرع، فلابد أن يكون طوافه من وراء الحجر، فلو دخل بين الحِجْر وبين الكعبة لم يصح طوافه.

وقال الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه: يصح طوافه، والصحيح أنه لا يصح، كما هو مذهب الجمهور، والدليل على أنه لابد وأن يطوف من ورائه: قوله سبحانه وتعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، فقال: (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، أي: القديم، إشارةً إلى أن العبرة ببناء إبراهيم عليه السلام، فلما تركت قريش من البيت قدر هذا، وهو من البيت، فإن جاء الطائف وطاف فيما بين هذا القدر بين الحجر وبين البيت، فإنه لم يطف بالبيت العتيق الذي هو بناء إبراهيم عليه السلام، الذي وضع بناءه عليه، وإنما تقاصرت النفقة بقريش، فكان بناؤها ناقصاً.

فإذا طاف فإنما طاف بالبيت بالبناء، ولم يطف بالبيت العتيق، وعلى هذا قالوا: إن الله عز وجل نص على (العتيق)؛ تنبيهاً على استتمام الطواف بالبيت على ما كان عليه من بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

قوله: [أو عريانٌ].

أي: إن طاف بالبيت عريان، فإنه لا يصح طوافه، وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه بعث مناديه ينادي -في سنة تسع-: ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عُريان.

فلا يصح الطواف بالبيت والإنسان عارٍ، بل لابد من أن يكون مستتراً، فإذا طاف عارياً لم يصح طوافه.

وعلى هذا فلو انكشفت عورته أثناء الطواف ففيه تفصيل: قال بعض العلماء: إن انكشفت وتدارك؛ لغلبة الناس والحطمة والزحام، كأن تكون حطمةٌ من الناس وغلب على أمره، أو كان ضعيفاً، أو مريضاً فغلب على أمره، فانكشفت عورته أثناء الطواف، وتدارك فستر مباشرةً بعد الانكشاف، صح طوافه ولم يؤثر.

وأما إذا ترك وتساهل، فإنه لا يصح طوافه كما ذكرنا، فلا يصح طوافه بالبيت إلا إذا استتر، فلابد وأن يكون ساتراً لعورته.

قوله: [أو نجس لم يصح].

هو في الحقيقة (متنجساً)؛ لأن المؤمن لا ينجس، أي: إن طاف بالبيت متنجساً؛ لأن المؤمن لا ينجس، ولكنهم يقولون: والحال أنه نجس، أو وهو نجس، لكن على العموم فلفظ (متنجس) أنسب؛ لأن المؤمن لا ينجس، وإنما يقال: متنجس.

والمتنجس: هو الذي عليه نجاسة في ثوبه، أو بدنه، فإذا كان في ثوبه نجاسة كرعافٍ، أي: إن رعفَ الدَمَ فنزل على ثوبه الذي هو إحرامه، أو نزل الدم على بدنه نفسه، فحينئذٍ لا يصح طوافه، إلا إذا كان معذوراً، كالشخص الذي معه الدم مسترسل، أو كان قدر الدم في حال العذر وهو ما دون الدرهم، أي: قدر الهللة القديمة فما دونها فهو معفوٌ عنه، فإذا كان الدم متفرقاً أو مجتمعاً بقدر الدرهم البغلي -وهو الدرهم الذي كان موجوداً في القديم، يقال له: البغلي، وهو يعادل الهللة القديمة الصفراء، وأقل من القرش الموجود في زماننا بقليل- فهو معفو عنه، فلو طاف وعليه هذا القدر فإنه بالإجماع يصح طوافه؛ لأن اليسير من الدم مستثنى إجماعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015