قوله: [ولا الصائل].
لو قتل صائلاً صال عليه، وهو الذي يهجم على الإنسان يريد أن يؤذيه في نفسه.
وهذا الصائل له حكم خاص في الشرع، قال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: أنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار)، فالصائل الذي يصول على النفس أو يصول على العرض أو يصول على المال، فيأتي مشهراً سلاحه، سواء في بر أو غيره، هذا الصائل في الأصل فيه تفصيل: فإن أمكنك أن تفر عنه وتبتعد عنه، فلا يجوز لك قتله؛ لأن نفس المسلم محرمة، والأصل أنه محرم الدم، فلا يجوز لك أن تستبيحه إلا عند الحاجة، فإذا كان يمكن تلافي ضرره بالفرار فيجوز لك أن تفر، بل يجب عليك أن تفر، ولا يجوز لك قتله، فإن قتلته مع القدرة على الفرار كان الحكم كحكم قتل العمد في قول طائفة من العلماء؛ لأنه لا يرخص لك بقتله، وقال بعض العلماء: يسقط القصاص ويكون حكمه حكم شبه العمد وتغلظ الدية، على تفصيل يأتي -إن شاء الله- في باب القصاص.
الحالة الثانية: أن يأتي وهو يريد العرض، فيمكنك الفرار أو يمكنك دفعه، يأتي -مثلاً- شاهراً سلاحه، فيمكنك أن تضربه في يده فتسقط السلاح من يده، أو تعقره بضربة لا يستطيع أن يقتلك بها، فحينئذٍ لا يجوز لك أن تعدل إلى قتله مع القدرة على عقره.
فالحالة الأولى: أن يمكنك الفرار عنه، أو تضع شيئاً بينك وبينه لتأمن ضرره، فحينئذٍ لا يجوز لك قتله، أو تستطيع أن تصارعه أو تدافعه فتأمن ضرره، فتصارعه وتدافعه ولا تقتله؛ لكن إذا تعين ولم تستطع أن تدفع ضرره إلا بالقتل فحينئذٍ يحلّ لك قتله ودمه هدر؛ وذلك لأنه اعتدى، وباعتدائه على المسلم سقطت حرمة نفسه فإذا لم يمكنك دفع ضرره إلا بالقتل فإنه يقتل ويكون مهدر الدم، هذا إذا اعتدى على النفس.
وكذلك إذا اعتدى على العرض، كأن يكون اعترض الإنسان في طريقه، فإن أمكنه أن يدفع ضرره فبها ونعمت، ولا يجوز له أن يقتله في هذه الحالة، لكن إذا كان معه من السلاح أو الضرر ما لا تستطيع معه دفعه ولا تستطيع معه الفرار، وغلب على ظنك أنه سيصل إلى الحرام، وأنه لا سبيل إلى كف ضره إلا بقتله حلّ لك قتله في هذه الحالة، وهذا بإجماع العلماء رحمة الله عليهم.