أما قوله: (لبيك اللهم لبيك)، (لبى): اختلف العلماء في أصلها، قيل: (لبى) بمعنى أجاب، تقول: لبيت النداء، أي: أجبته، وهذا مبني على قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:27] حيث أوحى الله بذلك لإبراهيم فقال: (ربي وما يبلغ صوتي.
قال: أذن وعلينا البلاغ، وهو حديث رواه الحاكم في مستدركه، وصححه غير واحد، فأذن وقال: (أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا) فمن كتب الله عليه الحج والعمرة فإنه يلبي هذا النداء بقوله: لبيك.
أي: إجابة لداعي الله عز وجل، هذا على القول بأنها مشتقة من إجابة النداء.
وقيل: (لبى) بمعنى: لب الشيء وخالصه، والمراد بذلك: إن إخلاصي لك يا ألله.
فمعنى (لبيك): أي إخلاصي؛ لأنها كلمة التوحيد، ولذلك قال جابر: (أهل بالتوحيد).
فقالوا: إن المراد بها إخلاص العبادة لله عز وجل، وهو الأصل الذي من أجله أمر الله عز وجل بالحج إلى بيته، فتكون أول كلمة من الإنسان بالتلبية شعارها التوحيد والإخلاص لله سبحانه وتعالى بالعبادة، وإفرادها له جل شأنه، فقالوا: إنها مأخوذة من لب الشيء، وهو خالصه.
وقيل: مأخوذة من (ألب بالمكان)، إذا أقام به، أي: أنا مقيم على طاعتك طاعة بعد طاعة، أي: أنه ثابت على طاعة الله مستديم عليها.
وقيل: إنها من (ألب) بمعنى: واجه، وتجاه الشيء وجهته تقول: (داري تلب بدارك) أي: تواجهها، كأنه يقصد بقوله: (لبيك اللهم) أي: اتجاهي لك يا ألله في كل صغير وكبير، فلا يسأل إلا هو، ولا يستعان إلا به، ولا يستغاث إلا به، ولا يستجار إلا به، فكأنه يقول: (وجهت وجهي لك كلاً) كما قال تعالى: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:79] فهذه أوجه ذكرها العلماء في معنى: (لبيك اللهم) أي: لبيك يا ألله.