بقي السؤال في ميقات المدينة الموجود الآن، فخط الهجرة يَمُر بالمدينة ثم يمر بقرى دون ميقات المدينة كاليُتَمَة، ووادي الفرع، والمهْد ونحو هذه القرى؛ فهل يُحرِمون بمحاذاة رابغ، ويُعتَبرون بالميقات الأدنى أو يعتبرون دون المدينة لأنهم في سمت المدينة؟
صلى الله عليه وسلم أنهم يُعتبرون دون المدينة، فمن كان من أهل اليُتَمة وأراد الإحرام فإحرامه من اليُتَمَة نفسها ولا يُحرِم من دون اليتمة بمحاذاة رابغ، والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)، والإشارة راجعة إلى المواقيت، فالذي يكون في المهْد أو يكون في اليُتَمَة أو يكون في وادي الفرع فليُحرِم من مكانِه، ولو أنه في وادي ريم والذي يبعد عن المدينة قرابة ستين كيلو فإنه يُحرِم من وادي ريم، وقد دل على ذلك فعل السلف الصالح فإن ابن عمر رضي الله عنهما وهو راوي حديث المواقيت كانت له مزرعة بوادي الفرع، فلما أراد الحج أنشأ النية منها، فأَحرم من وادي الفرع ولم يؤخر إلى محاذاة رابغ، فالتأخير إلى محاذاة رابغ خطأ بالنسبة لهؤلاء.
لكن الذين هم على الساحل مثل أهل بدر ومثل القرى التي يكون مرورها بطريق الساحل، فإنهم دون ميقات المدينة لكن طريقهم على طريق الساحل، فهؤلاء ميقاتهم ما يُقدِمون عليه -رابغ- وإن أحرموا من موضعهم كأهل بدر يحرمون من بدر، وأهل الروحاء يحرمون من الروحاء فهذا حسن وأفضل، لكن لو أن البدري أو من بالروحاء يريد أن يمر عن طريق خط الهجرة الموجود الآن؛ فإنه يدخل بمحاذاة سمت المدينة فيحرم من موضعه، مثل أن يُحرِم من بدر، لأنه سيكون دون ميقات المدينة من بلده.
هذا حاصل ما يقال بالنسبة لميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، قال بعض العلماء: إنه أفضل المواقيت وفضله من جهة كونه أبعد، ولا شك أن الأبعد أكثر عناءً وأكثر نصباً وأكثر تعباً، والقاعدة أن الأكثر تعباً يُعتبر أعظم أجراً، وهذا لقوله عليه الصلاة والسلام: (ثوابكِ على قدر نصبكِ)، فعلى هذا قالوا إنه أفضل، ولأن الله عز وجل اختاره لنبيه فهو أبعد المواقيت عن مكة، وقد أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.