قال عليه الصلاة والسلام: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)، هذا الإهلال يأتي على صورتين، الصورة الأولى وهي الأكمل والأفضل؛ لما اشتملت عليه من التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وهي أن تَنْزِل في الوادي وتصنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاغتسال، ثم بعد ذلك تصلِّي الفريضة وتهل بعد الفريضة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات، اغتسل وأصبح ينضخ طِيباً بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ثم أَهَلّ بَعْدَ الفريضة، وعلى هذا فالأكمل أن الإنسان يغتسل في الوادي، ثم بعد ذلك يُصلِّي الفريضة وينشئ عمرته أو ينشئ حجه.
كذلك أيضاً إذا لم يتيسر له الفرض واغتسل وصلَّى ركعتي الوضوء يُهِل بعدها، وليس للإحرام صلاة مقصودة تُسمى سنة الإحرام، إنما هو يقع بعد الفريضة أو النافلة حتى ولو كانت نافلة مطلقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمر في الصحيح: (أهل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)، وفي رواية: (صلِّ في هذا الوادي المبارك ... )، فاستحبوا أن يقع الإحرام عقب الصلاة، ولا تُشترط صلاة مقصودة.
هذا الأكمل والأفضل، ويكون الإهلال والنية والإنسان جالس في مصلاه، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
أما الصورة الثانية وهي صورة الإجزاء، فهي أن تمر بالوادي مروراً وتقول: لبيك حجاً، لبيك عمرة، ولا يُشترط النزول وليس بلازم ولا واجب، بحيث نقول لا بد وأن تنزل إلى الوادي ثم تحرِم، فلو مررت بمحاذاة الميقات وقلت: لبيك عمرة، لبيك حجاً؛ فقد انعَقَد إحرامك وصح، لكن فاتك الأفضل والأكمل الذي هو التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، على هذا إن تيسر لك النزول نزلت وإذا لم يتيسر لك النزول فحينئذٍ تعتبر المحاذاة.