مسألة في حكم حياة الشخص بالتنفس الصناعي

Q من مات دماغياً واحتيج إلى الجهاز الذي يستخدمه لوصله بشخص آخر، فهل يؤخذ منه ولا يكون في ذلك إزهاق لنفس مسلمة؟

صلى الله عليه وسلم هذه المسألة تعتبر من النوازل المعاصرة، وموت الدماغ مسألة تحتاج إلى نظر وعدم استعجال في الفتوى، وذلك لأن مسألة موت الدماغ نفسها لم يتفق فيها الأطباء على ضوابط معينة، فهناك تقريباً ثلاث مدارس في تحديد المفهوم لموت الدماغ، ومع هذا حصلت حوادث يحكم فيها على إنسان بأنه ميت دماغياً، ثم بعد ذلك يفيق، وقد حصل هذا ووقع، وقد اطلعت على بعض الحوادث التي نقلت بأنه حكم بموته دماغياً، وأعرف حتى من أهل العلم والفضل من حكم عليه بالموت دماغياً، وأرادوا أن يأخذوا منه أعضاء للتبرع، ثم تأخر الورثة وحصل بينهم شقاق خلال أسبوع، فشاء الله أن يفيق بعد أسبوع.

فهذه مسألة ليست من السهولة بمكان، إضافة إلى أن التشخيص والضوابط التي اطلعت عليها من كلام الأطباء في مسألة الموت الدماغي أو الموت السريري، هذه الضوابط لا تتيسر إلا في أرقى المستشفيات، فكوننا نفتي وتكون الفتوى عامة فهذا أمر يحتاج إلى تريث؛ فإنه لابد من الاحتياط لأرواح الناس وعدم الاستعجال في مثل هذه المسائل.

لكن لو أن شخصين أحدهما ميئوس منه؛ لأن الأمراض تتفاوت ودرجاتها مختلفة، فهناك أمراض ميئوس من علاجها كالسرطانات ونحوها، أو يكون الإنسان في سن يغلب على الظن هلاكه وأصابه مرض قل أن يشفى منه أو الغالب أنه لا يشفى منه، وهناك حالة طارئة طرأت لإنسان مرضه غير ميئوس منه، والغالب أننا لو وضعنا عليه الجهاز فإنه يشفى ويعافى، فحينئذ هل للطبيب أن يسحب الجهاز من هذه الحالة الميئوس منها إلى هذه الحالة التي يمكن علاجها؟ فالجواب: نعم، كما لو دخل مريضان على طبيب وقد أشرفا على الموت، وأحدهما أرجى نجاة من الآخر؛ فإنه ينصرف إلى الذي هو أرجى ويغلب على ظنه أنه يحيا، والسبب في هذا: أن اشتغاله بهذه الحالة الميئوس منها مفض إلى مصلحة مظنونة وضعيفة الحصول، مع فوات مصلحة متيقنة أو غالبة وهي مصلحة الشاب أو الشخص الذي مرضه غير ميئوس منه، لكن إقباله على هذه الحالة التي لا ييئس منها مصلحة غالبة ومصلحة راجحة، تعارضها مصلحة متوهمة، فكان الترجيح؛ لأن الشرع يقدم في المفاسد درء أقواهما وفي المصالح أرجحهما، فإذا تعارضت مصلحتان تقدم أرجحهما، وإذا تعارضت مفسدتان تدرأ أكبرهما، والدليل على ذلك أن الخضر كسر السفينة لخوف أن تؤخذ السفينة بكاملها، فقالوا: هذا يدل على أنه إذا تعارضت مفسدة فوات السفينة بكاملها، وكونه يكسر جزءاً منها ويعيبها، يدل على أن الضرر الأخف يَدْفَع ما هو أعظم منه، ويراعى ما هو أغلب ضرراً وأعظم.

فمثل هذه الحالات التي يغلب على الظن الشفاء والعلاج فيها، مثل: حوادث السيارات، فيدخل المريض وهو في حالة من الخطر ويتوقف علاجه على الأجهزة؛ فإننا نقدمه على تلك الحالة الميئوس منها، ويجوز للطبيب في هذه الحالة خاصة، وهي التي توصلت إليها من خلال البحث -أي: هي الحالة التي يجوز فيها سحب أجهزة الإنعاش عن المريض- أن توجد حالات غير ميئوس منها أو الغالب على الظن علاجها، فإنها تقدم على الحالة الميئوس منها والتي كانت تعالج من قبل، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015