قوله: [ويجب تعيين النية من الليل لصوم كل يوم واجب].
في نية الصوم مسائل: أولاً: أنها واجبة، ودليل وجوبها ما تقدم من دليل الكتاب والسُّنة.
ثانياً: هناك فرق بين صوم الفريضة والنافلة، فصوم الفريضة لابد فيه من تبييت النية بالليل، وصوم النافلة يجوز أن تنشئه ولو لم تبيت النية بالليل.
المسألة الثالثة: إذا قلنا: لابد وأن تبيت النية بالليل، فمن المعلوم أن ليلة الصيام تبتدئ من مغيب الشمس،
و Q هل تُبَيَّت النية بمجرد مغيب الشمس أم العبرة بما بعد منتصف الليل؟ بعض العلماء يقول: تبييت النية يكون من بعد منتصف الليل؛ لأنك لا تدخل في الليلة القابلة إلا من بعد منتصف الليل، ولذلك قالوا: صح طواف الإفاضة بعد منتصف الليل في ليلة النحر، ولا يصح قبل منتصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن للظعن بعد منتصف الليل، وكذلك بالنسبة للمبيت، قالوا: لابد وأن يكون قد بَيَّتَ النية من بعد منتصف الليل، والعبرة بمنتصف الليل الثاني لا بمنتصفه الأول.
وقال جمعٌ من العلماء -وهو الوجه الثاني-: إنه يجوز أن تبيت النية بمجرد مغيب الشمس لليوم السابق، وذلك على ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم المؤمنين حفصة: (من لم يبيت النية بالليل ... ) والشخص يوصف بكونه بات وبيّت من بعد مغيب الشمس، ولذلك قالوا: لو نوى بعد مغيب الشمس أجزأته النية، وهذا هو الصحيح: فمن نوى قبل منتصف الليل الآخر والثاني فإن نيته صحيحة معتبرة.
وفائدة هذا الخلاف: أنه لو نوى في النصف الأول ثم نام قبل النصف الثاني، واستيقظ بعد أذان الفجر، فعلى القول الأول الذي يشترط النصف الثاني: لا يصح، وعلى القول الثاني: يصح.
وعلى هذا فلا بد من تبييت النية سواءً وقعت في النصف الأول أو النصف الثاني.
المسألة الرابعة: التعيين: إذا عرفنا أن النية لازمة فأنت تقصد في قرارة قلبك أن تصوم هذا اليوم قربة لله سبحانه وتعالى، فهذه هي النية، ثم بعد النية شيء يسمى التعيين.
والتعيين: أن تحدد صومك فريضة أو نافلة؛ فإن كان فريضة فهل هو عن رمضان أو عن كفارة أو عن نذر؟ فتحدد في تلك النية، فيكون تحديدك وتعيينك للنية ببيان نوعية هذا الفرض الذي تريد صيامه، فإن كنت في رمضان نويت أن تصوم الغد من رمضان، وإن كنت في كفارة نويته صياماً عن كفارة جماعٍ أو كفارة قتل أو كفارة ظهار أو غير ذلك.
فالمقصود: أن المراد أن تعين هل نيتك لفريضة أو نافلة، ثم إذا عينتها فريضة هل هذه الفريضة لرمضان أو لنذر أو لكفارة أو نحو ذلك من الصيام الواجب، فمعنى تعيين النية: أنه يُعين ما هو المراد من هذا الصوم الواجب إن كان واجباً.
وإن كان نافلة: هل هي نافلة معينة مقصودة كصوم الإثنين والخميس والأيام البيض من كل شهر، وعاشوراء وعرفة، أم أنه يريد نافلة مطلقة كأن يصوم تقرباً إلى الله عز وجل بغض النظر عن قصد ذلك اليوم المتنفل به، وهذا هو الذي يقصده المصنف بمسألة التعيين، كما أنك إذا صليت أربع ركعات عن فريضة فلا بد وأن تحدد هل هي ظهر أو عصر أو عشاء، فقالوا: يجب عليه تعيين الصوم كما يجب عليه تعيين فريضة الصلاة.
وقوله: (لصوم كل يوم واجب لا نية الفريضة).
هذا في رمضان، وقال بعض العلماء: إذا دخل رمضان تنوي من أول رمضان صيام الثلاثين يوماً ويجزئك، وهذا هو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم، قالوا: كأن المحل لا يسع لغير رمضان، فعندهم أن صيام رمضان يجزئك أن تنويه من أول الشهر، وتجزئ نية لجميع الشهر؛ لأن رمضان لا يسع لصيام غيره، فالنية لا تنصرف إلا إلى رمضان، قالوا: فلا يحتاج أن يجدد النية كل ليلة.
والصحيح: مذهب الجمهور؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (من لم يبيت النية بالليل فلا صوم له) فبين أنه لابد من تبييت النية في الصوم، وهذا شامل للفريضة كما ذكرنا، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بين صيام رمضان ولا غيره.
قوله: [لا نية الفريضة]: أي أنه لو نوى مطلق الفرض لا يجزيه؛ لأنه لو نوى مطلق الفرض احتمل أن يكون رمضان، واحتمل أن يكون صيام كفارة، واحتمل أن يكون صياماً عن كفارة قتل أو ظهار أو يمين أو نذر؛ ولذلك قالوا: إنه لا يجزيه أن يقول في نفسه: نويت أن أصوم هذا اليوم لأنه فرض، ولا يُبين هل هو فرض عن رمضان، أو فرض عن كفارة، عتق أو ظهار أو نحو ذلك، هذه النية يقولون: فيها نوع من الإبهام، فلابد أن يُعين ما هو مراده بالفرض.