قال رحمه الله: [فإن منعها جحداً لوجوبها كفر عارف بالحكم].
(فإن منعها) أي: الزكاة، (جاحداً لوجوبها) -نسأل الله السلامة والعافية- قيل له: أدِّ زكاة مالك، فإن الله فرض عليك الزكاة، فقال: لا زكاة، أو طرد الذي بعثه الوالي لجلب الزكاة، وقال: لا أريد أن أخرجها، وليست هناك زكاة، فقال له: اتق الله، فإن الله فرض عليك الزكاة، فقال: الزكاة غير مفروضة -نسأل الله السلامة والعافية-، فجحد أن الله أوجب على عباده زكاةً، فهذا يعتبر كافراً بإجماع العلماء رحمة الله عليهم؛ لأن الإنكار للمعلوم من الدين بالضرورة يقتضي الكفر، فمن أنكر فرضية الصلاة أو فرضية الزكاة فإنه يعتبر كافراً بإجماع المسلمين، وهذا يسميه العلماء: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة.
وخصّ المصنف التكفير بحالة ما إذا كان عالماً كأهل الردة، فإنهم لما ارتدوا على عهد أبي بكر رضي الله عنه بعدما توفِّي النبي عليه الصلاة والسلام قالوا في سبب ردتهم حينما منعوا الزكاة: مات الذي أُمرنا بدفع الزكاة إليه، يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن الله يقول: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]، وما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي علينا.
يستخفُّون بـ أبي بكر رضي الله عنه، يقولون: إن الزكاة إنما أوجبها الله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول له: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة:103] فخصّ الخطاب به، وغفلوا أن هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم والأمر له أمرٌ لأمته بالتبع، فأنكروا فرضية الزكاة على هذا الوجه، ومن هنا كفروا، ولم يكفروا لمنع الزكاة؛ لأن مانع الزكاة لا يكفَّر إلا إذا جحد، وأهل الردة جحدوا، ومن هنا قال أبو بكر: (والله لو منعوني عناقاً -وفي رواية: عقالاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه)، فإذا منع وأنكر فقد كفر.
لكن اشترط العلماء في تكفير من جحد الزكاة، أن يكون عارفاً بوجوب الزكاة، عالماً به، فإذا كان جاهلاً أن الزكاة مفروضة، وقال: ليس هناك زكاة، وأنكر لجهله لم يكفَّر.
ومن أمثلة ذلك: حديث العهد بالإسلام، فلو أن رجلاً أسلم وعنده تجارة، ثم حال عليها الحول، فجاء المصدِّق والمزكي، فقال له: أد الزكاة، فقال: أي زكاة.
ليست هناك زكاة، فأنكر الزكاة لجهله بالإسلام، وعدم علمه، فيعرَّف مثل هذا ويعلّم، ولا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة.
[وأخذت منه وقتل].
أي: وأُخذت من الذي منع وجحد وقُتل، فهناك حكمان يتعلقان بمن منع جحوداً -والعياذ بالله-: أولهما: أخذ الزكاة منه؛ لأن الزكاة متعلقة بالفقراء، وحقٌ للفقراء والمساكين، فكونه يرتد، لا يمنع أن نأخذ الحق الواجب في ماله، كما لو ارتد وعليه دين للمسلمين، فإننا نأخذ من ماله سداداً لدين المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فدين الله أحق أن يقضى)، فالزكاة حقٌ لله عز وجل في ماله، وهو دين واجب عليه أن يؤديه، وقد صرّح النبي صلى الله عليه وسلم بكون الحقوق ديناً على المكلف، فإذا امتنع من أدائها قوتِل وأُخذَت منه، وإذا جحدها قُتل وأخذت منه، أي: من ماله؛ لأنها دينٌ للفقراء والمساكين، فوجب أن يؤخذ هذا الدين ويعطى لأصحابه المستحقين.
الحكم الثاني: أنه يقتل، ويستتاب المرتد ثلاثاً -كما سيأتي إن شاء الله في أحكام المرتدين- فإن تاب وإلا قتل، وهل يشمل ذلك مانع الزكاة، أو لا يشمله؟ فيه كلام للعلماء رحمة الله عليهم، ووجّه بعض العلماء أنه يقتل مباشرة.