بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب زكاة العروض].
العروض: جمع عرض، والعرض: هو المتاع، ومراده رحمه الله أن يبين حكم زكاة التجارة، وهي الأموال التي يعرضها الإنسان بقصد المتاجرة فيها، وذلك أن ما عند الإنسان منه ما يكون للقنية كسيارته وأثاث بيته ونحو ذلك، ومنه ما يكون معروضاً للبيع والمتاجرة.
والأصل في وجوب الزكاة في عروض التجارة عموم قوله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى لم يفرِّق بين مال وآخر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الزكاة من المال، وعروض التجارة مال، فالأصل وجوب الزكاة فيها، حتى يدل الدليل على الإسقاط.
أما الدليل الثاني: فقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267]، قال مجاهد -وهو تلميذ عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن- في تفسيرها: إنها عروض التجارة، وأشار إلى ذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، ففسر الآية: بأن المراد بها عروض التجارة، ولا شك أن مجاهداً رحمة الله عليه كان يأخذ التفسير من عبد الله بن عباس، وكان يستوقفه عند كل آية، يسأله عن حلالها وحرامها وما فيها من أحكام، فمثل هذا الغالب أنه أخذه عن ابن عباس رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس مكانته عالية في التفسير والتأويل؛ وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فهو معلَّم ملهم رضي الله عنه وأرضاه، وعلى هذا قالوا بوجوب الزكاة في عروض التجارة، وبذلك قال جماهير العلماء رحمة الله عليهم، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وكان يقول به فقهاء المدينة السبعة: سعيد بن المسيَّب وخارجة بن زيد والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وغيرهم من فقهاء المدينة السبعة، ولا يشتهر هذا القول في المدينة غالباً إلا وله أصل عن الصحابة، ولذلك قال العلماء: القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة هو الأصل، حتى يدل الدليل على الإسقاط.
قال رحمه الله: (باب زكاة العروض) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بزكاة عروض التجارة.