قال رحمه الله: [فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط أو يأخذه بحصاده].
اللقاط: هو الشخص الذي يلتقط الثمار من تحت النخيل، من عادة الناس في القديم أنهم يتركون للضعفاء والمحتاجين إذا دخلوا البساتين أن يلتقطوا ما يتساقط من الثمر؛ لأن النخل إذا حمل تمره أو رطبه تتحرك به الرياح، فبتحرك الرياح يسقط شيء من هذا الثمر والرطب رزقاً قد ساقه الله عز وجل لهؤلاء الضعفاء، وكان من سنة الخلفاء الراشدين وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه إذا دخل أحد إلى بستانك أو كنت في طريق في سفر، فمررت ببستان، جاز لك أن تأكل ما تساقط من ثمره بدون إذن صاحبه، لكن بشرط: أن لا تتمول، ولذلك قالوا: إنه لا يجوز له أن يرقى فيجني ولكن يأخذ ما تساقط، ففي هذه الحالة لا يُتعرّض للإنسان غالباً إذا أخذ هذا الشيء، فلو أن إنساناً يمر على البساتين، ويلتقط ما تساقط فبلغ الذي التقطه حد النصاب ثلاثمائة صاع، فهل تجب عليه الزكاة؟
صلى الله عليه وسلم لا؛ لأنه بدا صلاح هذا الملتقط وليس في ملكه، وإنما في ملك غيره، فلا تجب عليه الزكاة.
[أو يأخذه بحصَاده].
هذه مسألة فيها خلاف، عندك ثمر من النخيل مثلاً أو حبوب، فمن عادة المزارعين أنهم يستأجرون أناساً للحصاد وللجَذاذ، فعندك مائة نخلة وقال لك رجل: أنا أجُذُّ لك هذه المائة نخلة وآخذ منك مائة صاع، أو آخذ منك خمسين صاعاً، فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، وهي من مسائل الإيجار.
بعض العلماء يقول: لا يجوز أن تستأجر الأجير بجزءٍ من عمله؛ لأنه غرر، وتوضيح ذلك: أنه إذا قال له: جذ لي النخل وخذ منه مائة صاع، فإن المائة صاع متوقفة على الجذاذ، ويكون أخذه من عمله، ولذلك قالوا: إنه لا يجوز له ذلك، واحتجوا بحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وقفيز الطحّان) وهذا الحديث ضعيف، ووجه قفيز الطحان قالوا: نهَى عنه؛ لأن الطحان سيطحن، سيقول له: اطحن لي هذا الحب وخذ منه نصف صاع أو خذ منه نصفه، فقفيز الطحان بمعنى: اطحن وخذ من طحنك، قالوا: لا يجوز، ومن أمثلتها: أن يقول له: اذبح الشاة وخذ جلدها، قالوا: لأننا لا ندري هل يخرج الجلد ثخيناً أو رقيقاً، وهل يسلم الجلد أثناء سلخه من الكشط والقد أو لا يسلم، ولذلك قالوا: هي إجارة غرر، فلو كان الحديث ضعيفاً فإن الأصول تقتضي منعها لوجود الغرر، وبناءً على ذلك قالوا: لا يستأجر الأجير بجزءٍ مما يقوم به، وإنما يُستأجر بمنفصلٍ عنه، وعلى هذا لا يصح هذا النوع من الإجارة.
هناك قول آخر يقول: يجوز أن يستأجر الأجير بجزءٍ من عمله، وعلى هذا يقولون: يصح أن يقول له مثلاً: خذ السيارة واعمل بها يوماً وخذ مما تخرجه مائة ريالاً، ونحو ذلك من المسائل التي ذكرناها مثل مسألة قفيز الطحان، ومثل مسألة إجارة السلاخ بالجلد، وكذلك مسألتان، فإنه يقول له: جذ لي النخل وخذ ربع الجذاذ، واحصد لي الحب وخذ مائة صاع، فهذه إجارة بجزء من العمل.
فقالوا: على القول بالجواز يصبح في هذه الحالة لو جذَّ النخل أو الحب وكان جذذه بثلاثمائة صاع، فمع أنها بلغت النصاب، لا تجب عليه الزكاة؛ لأن هذه الثلاثمائة وإن كانت قد بلغت النصاب قد جاء وقت وجوب الزكاة فيها وقد خوطب بها الغير، فلا تزكى مرتين، وإنما تزكى مرة واحدة، وذلك من المالك الحقيقي لها.
[ولا فيما يجتنيه من المباح كالبرطم والزعبل وبزر قطونا ولو نبت في أرضه].
أي: حبوب المزروعات التي تنبت بنفسها، والمباحات التي تنبت بنفسها (الناس شركاء في الماء والكلأ والنار) ما ينبت من المباحات كالأعشاب ونحوها، هذه الناس فيها سواء، لذلك يقال لها إنها من المباحات، فإذا نبتت بنفسها في مزرعة، مثلاً: لو أن إنساناً كانت له أرض ثم هذه الأرض أرسل الله عليها المطر، فأنبتت عشباً، ولهذا العشب منه ما هو حب مثلما ذكر الزعبل والبرطم؛ وهي الحبة الخضراء، أنبتت نوعاً من الزروع التي لها حبوب وبلغت النصاب ثلاثمائة صاع، فهل نوجب فيها الزكاة؟ قالوا: هذا من جنس المباحات، ليس مما للمكلف فيه سعي، وإنما هو من جنس المباحات التي يملكها سائر الناس، فلا تجب في مثلها الزكاة، والسبب في هذا أنهم قالوا: إنه يبدو صلاحها وهي ليست ملكاً لأحد، وإنما يملكها بالجذ، فإذا جذها ملكها؛ لأن العشب والماء والنار مباحات لا تملك إلا بالقبض؛ مثلاً: لو أن الله عز وجل أنبت العشب في مكان، فليس من حق أحد أن يقول: هذا العشب لي، إلا إذا نبت في أرضه، أما لو نبت في مكان فملكيته تكون بعد الجني، ولأنه بدا صلاحه وليس ملكاً لأحد، فلا زكاة فيه، كما ذكرنا عن الأصل الذي قررناه.
وقال بعض العلماء: إن نبتت في أرضه فهو ملكٌ له، ولذلك لا ينازعه أحد، فتجب فيه زكاة، وإن نبتت في غير أرضه فلا تجب عليه الزكاة؛ لأن الله أنبتها ولا مالك لها.