قال رحمه الله: [وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا جنس إلى آخر].
(وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض) فلو زرع في نصف العام حباً، ثم زرع في نصفه الثاني حباً وجئنا ننظر إلى النصف الأول وإذا به قد بلغ مائتين صاع، والنصف الثاني قد بلغ مائة صاع، فإذا نظرت إلى زرعه الأول أسقطت عنه الزكاة، وإذا نظرت إلى زرعه الثاني مجرداً أسقطت عنه الزكاة، لكن ينبغي ضمهما إلى بعضهما؛ لأنهما في حكم الزكاة الواحدة في العام الواحد، وعلى هذا فالمعتبر أن يزرع في نفس العام، لكن لو زرع مثلاً في أواخر حزيران من العام الماضي، لأن الشهور الشمسية ينضبط بها الزراعة، ولذلك يقول الفقهاء: إذا زرع في حزيران، فلو زرع حباًَ في حزيران وحصد، ثم لما كان من العام القادم زرع في حزيران حباً بحيث لو نظرنا إلى زرعه العام الماضي وزرعه السنة، كل زرع مستقل لا تجب فيه الزكاة ولو ضممناهما وجبت، نقول: لا يضم؛ لأن زرع العام منفصل عن زرع السنة، ولكل سنة زرعها، فيشترط في ضم الثمرة أن تكون في نفس العام، كذلك أيضاً في النخيل، النخل يُطلِع مرة واحدة في السنة، ولكن إذا وضع الله فيه البركة، فإنه يطلِع مرتين، وفي بعض المناطق قد يطلِع مرتين إما لرِيِّه أو لحسن جوِّه، وهذا أمر يقع في بعض المناطق، كما ذكر عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك له في ماله وولده)، وفي رواية (أكثر ماله وولده) فأُعطي كثرة الولد وكثرة المال، فمما ذكروا في ماله أنه كان له نخل يطلِع مرتين في العام، وهذا من غرائب ما يكون، فإن النخل يطلِع مرة واحدة في السنة كما هو معلوم.
فإذا أطلع النخل مرتين ضم طلعه الأول إلى طلعه الثاني، ثم إن النخل نفسه يختلف، فالنخل بحكمة الله عز وجل إذا جاء فصله وزمانه الذي يكون فيه نضج ثمره، فإنه يختلف في النضج فشيءٌ منه ينضج في أول الصيف، وشيءٌ منه ينضج في منتصف الصيف، وشيءٌ منه ينضج في آخر الصيف، ثم الذي ينضج في أول الصيف يأكله الناس بسراً أو يأكلونه رُطباً، وأوساط الصيف غالباً يكون رطباً، وآخر الصيف يكون تمراً، فمن حكمة الله سبحانه وتعالى حتى يبين لعباده عظيم فضله عليهم وعظيم منته عليهم، فتجد الذي يؤكل في أول الصيف لا تستسيغ طعامه في منتصف الصيف، والذي يؤكل في منتصف الصيف لا تستسيغ طعامه في آخر الصيف، بل ربما يكون الإنسان قد أكل الثمرة أمس، فإذا طلع سهيل ثم جاء يأكلها اليوم يجد طعمها مختلفاً تماماً، حتى لا يجد لها النكهة التي وجدها أمس، وهذا دليل واضح على عظمة الله عز وجل، وأن لهذا الكون خالقاً سبحانه وتعالى، فمن حكمة الله عز وجل أن ثمر النخيل لا ينضج مرة واحدة وإنما ينضج متتابعاً على الترتيب، فشيءٌ في أول الزمان، وشيءٌ في أوسطه، وشيءٌ في آخره.
فبالنسبة للثمرة فإن الإنسان قد يجذ الذي يكون في أول الصيف بعد تمامه ولم ينته الصيف بعد، ثم يجذه أوسطه، ثم يجذه آخره، فيُضم كل هذه الأنواع بعضها إلى بعض، ولا تقل: إنني أعتبر كل نوع على حدة، وأعتبر النصاب ثلاثمائة صاع لكل نوع على حدة، فلو نظرت إلى نوع منه يؤكل بُسراً في أول الصيف، ونوع منه يؤكل رطباً، ونوع منه يؤكل تمراً، فلا تفصل بعضه عن بعض، وإنما تضمها لأنها ثمرة عام واحد، فترى زكاتها العام الواحد، وترى أن بعضها يُضم إلى بعض حتى يصير الجميع نصاباً فتجب فيه الزكاة أو يكون دون النصاب فلا تجب فيه الزكاة.