قال المصنف رحمه الله: [والزكاة كالدين في التركة].
قوله: (والزكاة كالدين) أي: حكمها حكم الدين، وتثبت في تركة الإنسان بعد موته، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء رحمة الله عليهم: فمن أهل العلم من يقول: إن من لم يؤد الزكاة تعتبر ديناً عليه، تُخرج من ماله بعد وفاته، وأخذ بعموم قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11]، والآية الثانية: {يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]، والآية الثالثة: {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]، فقال: إن الزكاة دين لله عز وجل، لقوله عليه الصلاة والسلام: (أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)، قالوا: فقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم صيام النذر الذي تعلق بذمة الميتة وهي أم السائلة منزلة الدين، فإذا كان صوم النذر ديناً بوجوبه على المكلفة، فكذلك الزكاة صارت ديناً على المكلف بوجوبها؛ بتعلق ذمته بهذا الحق، وبناءً على ذلك، فلو مات ولم يؤد الزكاة، مقصِّراً في ذلك أو غير مقصر، فإنها تعتبر ديناً في ماله، ويُخرج هذا الدين من ماله، ولو تكرر لسنوات عديدة.
ومن أهل العلم من يقول: إن الزكاة لا تبقى متعلقة بذمة الميت، بمعنى: أنه لا يطالب الورثة بإخراجها من التركة، والتركة قد صارت إلى ملكية الورثة، فهم الذين ملكوها بمجرد مرضه للموت، ولذلك لا يتصرف إلا في حدود الثلث، وعلى هذا القول، قالوا: لو فتحنا هذا الباب لأصبح ذريعة للإضرار بالورثة، وهذا يقول به بعض أئمة السلف، ويختاره الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة، فأصبح كل رجل يؤخر زكاة ماله إلى دنو أجله، فيصير ماله مستحقاً بكماله لسداد ديون الزكاة عليه، والأصل يقتضي رجحان قول الجمهور الذين يقولون: إنها متعلقة بالمال.
ومن أهل العلم من فرّق فقال: إذا فرّط فإنه تجب الزكاة على ماله، وتؤخذ من تركته، وإذا لم يفرِّط فإنه لا تؤخذ من التركة ولا يُطالب بها الورثة، والأول أقوى.