قال المصنف رحمه الله: [وتجب الزكاة في عين المال].
قوله: (وتجب الزكاة في عين المال) هذه مسألة خلافية الزكاة هل أوجبها الله في الأموال بعينها، أم أوجبها في ذمتك؟ إما أن تقول الزكاة واجبة في ذمم الناس متعلقة بالمكلفين، أو تقول: الزكاة واجبة في أموال الناس.
فللعلماء وجهان: اختار المصنف رحمه الله مذهب من يقول: الزكاة واجبة في عين المال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (في كل أربعين شاةً شاةٌ) فإنه عبر بـ (في) جعل في الظرفية، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24 - 25] (في أموالهم) فجعلها حقاً في عين المال.
ومنهم من قال: حق في الذمة.
ما الفرق بين قولك: في عين المال، وبين قولك: في الذمة؟ هذا تترتب عليه فوائد، من ألطفها: لو أن رجلاً امتنع من أداء الزكاة في الغنم، عنده أربعون شاةً، تجب عليه شاة واحدة، فامتنع السنة الأولى وامتنع السنة الثانية وامتنع السنة الثالثة، ثم تاب إلى الله وأراد أن يزكّي، فإن قلت: الزكاة في عين المال، حينئذٍ يكون الواجب عليه شاة واحدة، لماذا؟ لأنها لما كانت في عين المال، وجبت عليه شاة واحدة في السنة الأولى، فأصبح عين هذه الشاة محبّساً وديناً عليه، فأصبح الذي عنده تسع وثلاثون شاة، وإنما تجب الزكاة إذا كان الذي عنده أربعون شاة، والذي عنده تسع وثلاثون فتعلقت الزكاة بعين ماله، وأصبحت هذه الشاة ديناً عليه لا يملكها، فإذا جاءت السنة الثانية جاءت وعنده تسع وثلاثون، وليس عنده أربعون، فحينئذ يكون عليه زكاة سنة واحدة، ولو جلس على هذه الوتيرة عشر سنوات، فالواجب شاة واحدة.
أما لو قلت: متعلقة بذمته، فحينئذٍ تجب عليه ثلاث شياه، الشاة الأولى للسنة الأولى، وهي دين في ذمته، وقد ملك أربعين، فجاءت السنة الثانية وقد ملك الأربعين فعليه شاة ثانية، ثم جاءت السنة الثالثة وعليه شاة ثالثة، فأصبح الواجب عليه ثلاث شياه.
هذا يتفرع على مسألة الحلي، إذا قلنا: على المرأة في حليها زكاة، إذا كانت نصاباً فلو فرضنا أن عندها نصاباً، وحد النصاب تسعون غراماً على أحد الأقوال، التسعون غراماً وجب عليها ربع عشرها، فإن قلنا: يتعلق هذا بعين مالها وهو الحلي، فإنها إذا امتنعت السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة؛ فالواجب عليها زكاة سنة واحدة؛ لأنها لما وجب عليها ربع عشر التسعين جراماً انتقص النصاب عن الحد الواجب، وحينئذٍ تكون في السنة الثانية غير مطالبة بالزكاة وكذلك في الثالثة والرابعة، فإن تابت إلى الله وجبت عليها زكاة سنة واحدة، هذا إذا تعلق الحق بعين المال.
أما لو تعلق حق الزكاة بذمة مالك المال، فحينئذٍ تجب عليها الزكاة في السنوات مضاعفة مرتبة، ولا نظر إلى تأثيرها في النصاب وعدم تأثيرها، وهذا معنى قوله رحمة الله عليه: أن الزكاة متعلقة بعين المال.
قال المصنف رحمه الله: [ولها تعلق بالذمة].
قوله: (ولها تعلق بالذمة) هي المسألة التي ذكرناها آنفاً، وهذا ينبني على مسألة الدين، يقولون: لو قلت: إنها في عين المال سقطت عنه الزكاة، فإذا دخلت في ذمته يقولون: من جهة الاستحقاق بدليل إيجاب الزكاة على غير المكلف من الصبي واليتيم، فإنك أوجبتها في عين المال، وكذلك أيضاً تجب في الذمة من جهة الاستحقاق، وتفرّع على قول أنها متعلقة بالذمة أنها لا تصح بدون نية، ولا بد له من قصد العبادة، ولا بد له من التوكيل فيها وأن يقصد التوكيل، فلو أخرج إنسان زكاة عن رجل دون أن يأذن له ويوكله، فإنه لا تبرأ ذمته؛ لأنه لم ينو براءة الذمة، فهي عبادة متعلقة بذمته، فلو أن ابناً -مثلاً- تبرع عن أبيه بزكاة فإنها لا تصح؛ لأنها تعلقت بذمة الأب، وهذه الذمة لا بد وأن ينوي بها لإخراجه أصالة أو وكالة، فلما أوقعها الغير دون أن ينويها من تعلقت بذمته لم تجزه من هذا الوجه.