التربيع في حمل الجنازة

فقوله: (يسن التربيع): من المعلوم أن سرير الميت يكون على أربعة أعمدة يحمل الميت بها: عمودان في مقدمة الجنازة، وعمودان في مؤخرة سرير الجنازة؛ والأفضل والأكمل للإنسان أن يكون حمله من هذه الجهات الأربع، وفيه أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولكن فيه انقطاع، ولذلك يعتبر مرسلاً، لأن أبا عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

والتربيع: أن يبدأ بمقدمة الجنازة ويأخذ باليمين؛ لفضل اليمين وشرفها؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن، ثم بعد ذلك ينتقل إلى المؤخرة في نفس جهة اليمين، ثم بعد ذلك يرجع إلى المقدمة فيحمل بالأيسر، ثم يتأخر المؤخرة للأيسر، فيكون قد ربع.

هذا هو الذي يقصده العلماء من التربيع.

أي: أن يكون حمل الإنسان للجنازة من جهات السرير الأربع، ولا يقتصر على جهةٍ دون جهة؛ للحديث الذي ذكرنا، ولو صح لا شك أنه يعتبر دليلاً على الفضيلة، لكن الأمر واسع إن شاء الله تعالى، ولا حرج أن يحمل الإنسان من أي جهة، ولا شك أن أن يبدأ بجهة اليمين تأسياً بتفضيل اليمين.

فإن شق عليه لمكان الزحام وضرر الناس، بحيث يصعب عليك أن تنتقل إلى جهة اليسار، أو صعب عليك أن تتقدم حتى تنال المقدمة فالأمر واسع.

وقال بعض العلماء: الأفضل أن يحمل بعمودي السرير، أي: أن يكون وسطاً في مقدمة السرير، ويرون هذا في المقدمة لا في المؤخرة، وتوضيح ذلك: أنه في المقدمة يمكن أن يرى من أمامه، فيحمل بطرفي عضادتي السرير، وفي ذلك حديث وراد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حمله لـ سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا: إن هذا يدل على أن الأفضل أن يأخذ بهما.

والذي يظهر أن الأمر واسع، خاصةً قي حال الزحام، ولأنه ربما أضر بغيره، وربما أجحف به، وربما لا يصل إلى الجهات على الطريقة التي ذكرناها إلا بأذية.

أما بالنسبة للتثنية وحمل طرفي السرير من آخر السرير فهذا من الصعوبة بمكان؛ لأنه إذا حمل من مؤخرة السرير لا يأمن أن يطأ أحداً أمامه أو يؤذيه، وربما تكون هناك حفرة أو يكون هناك شيء لا ينتبه له؛ لأنه لا يرى الذي أمامه، فضيقوا في المؤخرة، بخلاف المقدمة فإنهم وسعوا فيها وقالوا: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر في المقدمة.

يفرق بين التربيع وبين التثنية: أن التثنية تكون من مقدمة السرير دون المؤخرة، وأما التربيع فإنه لابد فيه أن يكون من الأربع الجهات.

وفي التثنية لا يشترط أن يضع طرفي السرير على كتفيه، بمعنى: أن يجعل الطرف الأيمن على عاتقه الأيمن، والطرف الأيسر على عاتقه الأيسر، إنما يعتبر أن يحمل، فإذا حصل الحمل فهو المقصود؛ لأنه في بعض الأحيان لا يتيسر لك إذا كان طرفا السرير متباعدين، فإن تيسر ذلك كما إذا كان للسرير حمالات ونحوها، فيمكن أن يضعهما على كتفيه؛ لكن هذا أمرٌ من الصعوبة بمكان، فيما لو كان السرير من الخشب كما هو موجود في حالنا ليوم، فحينئذٍ يخرج بطرفي السرير بيديه كأنه حامل، وينبغي عليه أن لا يؤذي الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015