استخدام القطن للميت في عدة مواضع

وقوله: [ثم يوضع عليها مستلقياً].

أي: ثم يوضع الميت على هذه الثلاث اللفائف مستلقياً، وجهه إلى السماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أُدرج فيها إدراجاً، فهذه هي السنة: أن يوضع في وسطها، ويكون نصفها عن يمينيه ونصف اللفافة عن يساره، والثلاث كلها مبسوطة إلى الأرض.

وقوله: [ويجعل منه في قطنٍ بين إليتيه].

أي: ويجعل من الحنوط في قطن، ويكون القطن هذا لسد المنافذ إذا خرج شيء من النجاسة أو القذر فإنه يعالجه، ويكون أيضاً أنفع لدفع النتن إذا حُمِل أو أُريد وضعه في قبره، فيجعل الحنوط في قطنة وتكون بين الإليتين.

[ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تجمع إليتيه ومثانته].

هذه الصفة يذكرها العلماء من باب الكمال، وليست تشريعية توقيفية يلزم فعلها، وذكر العلماء رحمة الله عليهم لها مندرج تحت أصل عام وهو إحسان الكفن، وليس بأمر متعين بحيث إن الإنسان لو تركه يأثم، إنما ذكره العلماء رحمة الله عليهم على سبيل الفضل لا على سبيل الفرض.

وتجعل كالتبان، التبان: السروال القصير الذي يصنع للملاحين ونحوهم، والمعنى: أنه تشق على صورة السراويل القصيرة تشد ما بين الفخذين وتمنع خروج الخارج، وذلك لتمنع النتن والرائحة أن تؤذي من يقترب من الميت فيتضرر بذلك إذا حمله أو أراد أن ينزله في قبره، فهذا كله -كما ذكرنا- على سبيل الفضل لا على سبيل الفرض، وهذه الأمور لا يقصد منها سوى الإحسان إلى الميت، فمن تيسر له فِعْلُها فعَلَها، ومن صعب عليه ذلك أو لم يجد الحنوط فله أن يستبدل بطيب آخر يطيب به الميت، ولا يشترط أن يوضع بين الفخذين بالصورة التي ذُكِرت، وإنما هو على سبيل الفضل لا على سبيل الفرض كما ذكرنا.

وقوله: [ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده، وإن طيب كله فحسن].

أي: ويجعل الباقي من الحنوط والطيب على منافذ جسده، مثل الأنف، والمنفذ: هي الفتحة الذي ينفذ منها إلى البدن، ويشمل ذلك: الأنف والفم وجهة العيون ونحوها، فيجعل الحنوط عليها حتى يكون أدعى لدفع الهوام عن الدخول إلى البدن؛ لأن الهوام لا تقوى على رائحة الطيب؛ فيكون ذلك أدعى لبقاء البدن أو الجسد أكثر مدة وأطول، وهذا من الإحسان إلى الميت.

فيجعل في منافذ بدنه، ومواضع سجوده، وإن طيب كله فلا حرج، وقد أثر عن بعض السلف الصالح أنه لما حضرت أنس الوفاة أوصى أن يغسله الإمام الجليل محمد بن سيرين، وكان محمد رحمه الله عليه دين ومسجوناً في دين، فأُخرج من سجنه للقيام بتغسيل أنس، فطيب أنساً كله.

وهذا قد فعله بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

لكن لو كان الطيب قليلاً أو لم يتيسر من الحنوط إلا اليسير، فإنه يوضع في أشرف المواضع، وهي مواضع السجود؛ تكريماً لها، وكذلك أيضاً المغابن، وهي مواضع النتن من الإنسان كالإبطين؛ وكذلك أيضاً المغابن التي تكون في أسفل باطن الركبتين، فهذه يوضع فيها الحنوط لأن الفساد يسرع إليها أكثر من غيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015