وقوله: [ومن تعذر غُسلُه يُمِّم].
بعد أن بين لنا حكم غسل المحرم، وحكم تغسيل الشهيد، وما يستثنى من الشهداء، شرع رحمه الله في بيان المسائل التي تلتحق بهذا.
والمناسبة بين هذه المسائل وبين الشهيد والسقط ومَن تقدم، أن الجميع خارجون عن الأصل، فلهم حكم خاص يستثنى من الأصل.
والذي لا يمكن تغسيله يشمل أصنافاً من الناس، منهم المحروق، فإن المحروق إذا غسل ينتفط جلده ويصعب في هذه الحالة أن يحصل النقاء الذي هو مقصود الشرع، بل إن صب الماء عليه فإنه يزيده ضرراً، وحرمة الميت المسلم ميتاً كحرمته حياً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (كَسْر عظمِ المؤمن ميتاً ككسره حياً في الإثم)، فجعل للميت المسلم حرمة، فلو أننا غسلناه أنتن جسده وأنتن جلده ونَفَط، وحصل من الضرر الشيء الكثير.
كذلك لو كان به مرض في جلده بحيث إذا صُب عليه الماء نَفَط، وكما في المجدور فإنه لو غُسل فإنه يتضرر جلده.
وكذلك أيضاً إذا كان توقع لحوق ضرر بمن يغسله، كما هو الحال في الأمراض المعدية إذا لم يمكن تغسيل أصحابها بطريقة يسلم بها المغسل من العدوى؛ ففي هذه الأحوال كلها استثنى العلماء رحمهم الله هؤلاء من الأصل وقالوا: إنهم لا يُغسلون، وإنما يُيَمَّمون.
وهكذا لو فقد الماء فلم يوجد، كأن يموت شخص بالصحراء، فحينئذٍ ييمم؛ لأن الشرع جعل طهارة التراب قائمة مقام طهارة الماء، فهذا أصل، فإذا وجبت طهارة الماء ولم يمكن القيام بها عُدِل إلى البدل الشرعي وهو التراب، فيُيَمَّم الميت، والتيمم أن تضرب بيديك على الأرض، ثم تمسح بهما وجه الميت وكفيه، فإذا فعلت ذلك فإنه حينئذٍ يحصل المقصود، كما تقدم معنا في صفة التيمم الشرعية.