الحالة الثانية: أن تجد به أثر القتل كأن يطعن أو -مثلاً- يكون به جراح ثم يحمل من أرض المعركة، لكنه يأكل أو يشرب، فحينئذٍ يعامل معاملة الأصل، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.
أما بالنسبة لحالة كونه يأكل ويشرب، فإنهم يقولون: إذا أكل أو شرب بعد الطعن وبعد الأثر الذي كان به من الضرب، فإننا في هذه الحالة قد تحققنا حياته بعد طعنه، فيخرج عن حكم الشهيد، وموته بعد ذلك وإن كان بأثر القتل؛ لكنه تبع لا أصل، والموت وإن كان بأثر الضربة في سبيل الله عزَّ وجلَّ فإنه شهيد في الأصل؛ لكنه لا يعامل معاملة الشهيد.
والدليل أن سعداً رضي الله عنه وأرضاه ضرب في أكحله، فسأل الله عزَّ وجلَّ أن يؤخر موته حتى يقر عينه من بني قريظة؛ لأنهم خانوا الله ورسوله، وهذا من شدة غَيرته رضي الله عنه وأرضاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دين الله، وهو من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فسأل الله عزَّ وجلَّ ألَّا يموت حتى يقر عينه بما يشفي غيظه ويروي غليله فيهم، فكان الحاكم فيهم رضي الله عنه وأرضاه.
فلما ضُرب في أكحله أخر الله أثر الجرح، وهذه آية من آيات الله عزَّ وجلَّ، فسلم رضي الله عنه حتى حُمل إلى بني قريظة في قصة التحكيم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم فقال: (أحكم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لقد حكمت فيهم بحكم الجبار من فوق سبع سماوات).
ثم انتقض عليه جرحه، فمات رضي الله عنه وأرضاه فغسله النبي صلى الله عليه وسلم وكفنه وصلى عليه، وعامله معاملة الأصل، مع أن الجرح الذي مات بسببه هو في الأصل من المعركة.
فلذلك قال العلماء: لما حيَّ حياةً مستقرة بعد الجرح نُزِّل منزلة الأصل، فصار الحكم خاصاً بمن قبض في أرض المعركة، دون من جُلِب عن أرض المعركة، ودون من أكل أو شرب بعد طعنه وضربه الذي فاتت به نفسه.