وقوله: [ولا يُصَلِّى عليه]: هذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد، فإنه لم يصل عليهم، وهذا يدل على فضل الشهادة في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فإن الصلاة على الميت فيها من الفضل والخير للأحياء والأموات ما الله به عليم، ولذلك: (ما من مسلم يقوم عليه أربعون يشهدون أن لا إله إلا الله، فيشفعون له إلا شفعهم الله فيه)، وهذا يدل على فضل الصلاة على الميت والدعاء له، فجعلها الله فضلاً للأحياء والأموات، أما الأحياء فجعل فيها القراريط من الأجر، وما يكون لهم من أجر الدعاء للميت.
وأما الأموات فلأنه خير يكون لهم قبل أن يلقوا الله عزَّ وجلَّ بدعاء إخوانهم وسؤال الرحمة، وقد يتجاوز الله عن سيئات الميت بسبب خالص دعاء الأحياء، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخلاص الدعاء للأموات، وأن على الإنسان إذا دعا لأخيه الميت فعليه أن يخلص في الدعاء ويجتهد، فلما كانت الشهادة يُرجى لصاحبها من الخير والفضل ما يرجى، صار كأنه ارتفع عن هذا كله، لعظيم ما له عند الله من المنزلة، والدرجة، مع أن الصلاة فيها دعاء واستغفار له، فكأنه قد جاوز ذلك إلى رحمات وجنات وفضائل من الله سبحانه وتعالى تغنيه عن الدعاء.
ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام عن فتنة الشهيد في قبره: هل يُسأل الشهيد في قبره ويفتن بالفتان؟ قال عليه الصلاة والسلام: (كفى ببارقة السيوف فتنة)، أي: كفى ببارقة السيوف على رقبته فتنة، وذلك لأنه قتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر بائعاً نفسه لله عزَّ وجلَّ، فكأنه قد أقبل على الله سبحانه وتعالى بخير عظيم.
ولذلك ورد في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (تكفل الله.
وفي رواية: تضمن الله) والضمانة والحمالة والكفالة من الله سبحانه وتعالى تدل على ما له عند الله سبحانه وتعالى من الفضل العظيم والثواب الجزيل.
وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة، تشرب من أنهارها، تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش) وهذا يدل على فضل الشهادة في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فلا يصلى عليه، لأنه في رحمة منذ أن تقبض روحه ويقتل في سبيل الله عزَّ وجلَّ.
والشهيد لا يجد من قبض الروح وفتنة السكرات كقرصة النحلة، وتؤخذ روحه -كما يقول بعض العلماء- كأنه أشبه بطرفة العين، تؤخذ منه كأحسن ما يكون من سلت الروح دون أذى ودون ضرر، ثم ما إن تقبض روحه حتى يكون له الفضل الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر).
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه ذكر شهداء أحد وأنهم لقوا الله عزَّ وجلَّ فرضي عنهم ورضوا عنه).
وفي الحديث الصحيح أن جابراً رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! أخبرني عن أبي، إن كان في الجنة صبرت، فقال له: يا جابر! إنها جنان، وإن أباك قد أصاب الفردوس الأعلى منها) وهذا يدل على فضل ما يكون للشهيد، وكلما أخلص وصدق مع الله، وكلما كان بلاؤه في الجهاد أعظم؛ كانت شهادتُه أرجى.
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن الله لا يكلم أحداً إلا من وراء حجاب إلا ما كان من أبيك فقد كلمه كفاحاً، وقال: تمن عبدي، فقال: أتمنى أن أعود فأقتل في سبيلك ثانيةً) مما رأى من فضائل الشهادة.
فتبين أنه لا يصلى على الشهيد لعظيم ما له عند الله من الفضل والمثوبة.
نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبلغنا هذا الفضل الكريم.