وقوله: [ومقتول ظلماً]: أي: وهكذا المقتول ظلماً، هذا أحد القولين عن العلماء، كأن يُعتدى على إنسان في عرضه فدافع فقتله الباغي، فإذا قتل دون العرض فهو شهيد، وهو مقتول ظلماً، وهكذا لو أنه اعتدي عليه فلم يشعر إلا بإنسان قد هجم عليه يريد أخذ ماله أو يريد قتله، وفي الحديث: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: هو في النار، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: أنت في الجنة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد) فالمقتول ظلماً هو الذي يقتل بدون حق، فإذا قُتِل بدون حق فللعلماء فيه قولان: قال طائفة من العلماء: المقتول ظلماً في غير ساحة المعركة يعامل معاملة الميت طبيعياً، فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
والقول الثاني: أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، وإنما يدفن بجراحه كالشهيد.
والصحيح: القول الأول؛ لأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قتل، فغسلته أمه أسماء رضي الله عنه وعنها، فدل هذا على أن المقتول ظلماً باقٍ على الأصل، ولأن القاعدة في الأصول: (إعمال الأصل حتى يدل الدليل على الاستثناء)، فالأصل عندنا في كل ميت أنه يغسل حتى يدل الدليل على الاستثناء، فاستثنى الدليل الشهيد ولم يرد دليل باستثناء من قتل ظلماً.
وإنما قاس بعض العلماء من قتل ظلماً على الشهيد، بجامع كون كل منهما فاتته نفسه بدون حق؛ ولكن هذا القياس محل نظر، وذلك لأن القياس في العبادات ضيق، فقد يكون في الشهيد معنىً ليس بموجود في المقتول ظلماً، ولذلك قالوا: إنه يختص الحكم بالشهيد في المعركة دون غيره.
وهذا هو الصحيح، وعلى هذا يكون تشريك المصنف -رحمه الله- بين المقتول ظلماً مع الشهيد على المرجوح، والراجح أن المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه.