بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: وقوله: [وإذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده]: بعد أن بين لنا -رحمه الله- من الذي يلي التغسيل، ومن له حق التغسيل، وفصّل في الجنسين، وفي المسائل المترتبة على فقد الجنس المماثل، شرع رحمه الله في صفة الغسل.
وتغسيل الميت من المهمات التي ينبغي على الناس أن يكونوا على إلمام بها، فإن الرجل ربما فجع بقريبه ميتاً، وربما فُجع في سفرٍ بصاحبٍ له أو رفيقٍ له، فيحتاج أن يعرف أحكام غسل الميت، ولذلك كان بعض العلماء والمشايخ رحمةُ الله عليهم عندما يجلسون في المجالس مع العوام، بدلاً من أن يضيع الوقت دون فائدة يعلمون العوام صفة تغسيل الميت بالتطبيق الفعلي، ويطبقونها في المجالس؛ إحياءً لهذا الأمر اليسير، ولكن بعض الناس ربما يدخل عليه بعض التكلفات التي تجعل الناس يظنون أنه شاق، وأنه لا يليه إلا خاصةُ الناس، مع أن الأمر يسير والدين يسر، وهو رحمةٌ من الله عز وجل بعباده، وليس فيه حرج ولا مشقة.
فالأمور التي يتكلفها البعض في تغسيل الميت وإحداث صفةٍ معينة فيها كلفة ومشقة، فكلها أقرب إلى الاجتهادات والآراء التي لا تستند إلى حجة من الكتاب والسنة، وهي أمور لا أصل لها، وإنما يقتصر على سماحة الإسلام ويسره في ولاية أمر الميت وتغسيله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يسر أمر الغُسل سواء كان الميت رجلاً أو امرأة، وقد أثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في المحرِم: (اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا وجهه، ولا تغطوا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، وهذا أمر في غاية الاختصار واليسر والسماحة.
وكذلك أيضاً لما أمر بتغسيل ابنته زينب وتكفينها رضي الله عنها كما جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها الذي هو أولى وأقوى من حديث ليلى الثقفية رضي الله عنها، وفيه يسر أيضاً، وإذا تأملته وجدت أن التغسيل وصفة التكفين كلها يسر، وليس بذاك الأمر الصعب الذي يظنه بعض الناس وأنه لا يتيسر إلا لخاصة طلاب العلم، بل الأمر على خلاف ذلك، فقد تجد من العوام من يُحسن ذلك لسهولته ويسره.