Q ما حكم صلاة الميت على المقتول حداً، أو كان مقتولاً بحد الحرابة أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم الميت المسلم إذا قتل بحد، كأن يكون زانياً محصناً، ثم رجم حتى مات، أو قتل عمداً وعدواناً، ثم اقتص منه فقتل، أو قتل حرابةً؛ فإنه يشرع تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ويُصلى عليه ويدعى له ويستغفر له ويترحم عليه؛ لأنه من المسلمين، وهو أحق بالاستغفار والترحم؛ لمكان حاجته إلى توبة الله عز وجل عليه، وإن كان قيام الحدود بالمذنبين كفارةٌ لهم في الدنيا، وكفارةٌ لهم في الآخرة، ولكن كونه على جرم أو كونه على فسق؛ أدعى أن يستغفر له الإنسان وأن يترحم عليه، وهكذا إذا كان مبتلى بالمسكرات والمخدرات يشرع أن يصلى عليه، وأن يعزى أهله، وليس هناك دليل يخرجه من الإسلام حتى يحكم بمعاملته معاملة الكافر.
فبعض من الناس -أصلحهم الله- يغلو، فتجده لا يعزي أهل الميت إذا مات في شرب خمر، أو مات في معصية من كبائر الذنوب، وهذا خطأ! فإن المسلم العاصي إذا لم تبلغ معصيته به إلى الكفر يشرع معاملته معاملة المسلم المطيع.
ولكن الذي ذكره العلماء رحمة الله عليهم: أنه لا يصلي الإمام العام ومن له تقدم كأهل الفضل، على أهل المعصية؛ زجراً للناس أن يفعلوا فعلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز.
والصحيح: أنه يشرع أن يصلى عليه، وخاصةً إذا اعترف بذنبه وأقر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عمر: (أتصلي عليها وقد فعلت ما فعلت -المرأة التي زنت-؟! قال: والذي نفسي بيده! لقد تابت توبةً لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) وأثنى عليها عليه الصلاة والسلام، لأنها تابت وأقرت.
قالوا: كما أنها تابت وأقرت، كذلك من أقيم عليه الحد، فإنه في حكم ذلك، وهذا هو الصحيح، فإذا أقر بذنبه وأقيم عليه الحد شرع أن يصلي عليه حتى الإمام الراتب؛ لأنه تاب وخرج من ذنبه، فبقي على الأصل العام، بل إنه إذا صلى عليه الإمام الراتب، دعا أن يسلكوا مسلكه ليتوبوا إلى الله وينيبوا من ذنوبهم.
أما لو أقيم عليه الحد بدون إقرار منه، فبعض العلماء يقول: إنه لا يصلي عليه الإمام الراتب، زجراً للناس، فإن كان هذا المعنى -وهو الزجر- يتحقق، قد يشرع له على هذا القول، أما إذا كان لا يتحقق فإنه لا مانع أن الإمام يصلي عليه؛ لأنه يفوت على نفسه فضيلة القراءة في الصلاة عليه والاستغفار له والترحم عليه.
ولذلك يشرع أن يصلى على أموات المسلمين عموماً، وأن يقام بحقوقهم، وأن يدعى لهم، ويستغفر لهم، وكونهم أذنبوا فيما بينهم وبين الله لا يمنع أن نقوم بحقهم من الدعاء والاستغفار لهم؛ ولذلك قالوا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: إنه كان يغبط الحجاج على أمرين -وكان الحجاج كثير المعصية لله عز وجل بما كان منه عمل- فكان عمر بن عبد العزيز يغبطه على أمرين: الأمر الأول: أنه كان يعتني بكتاب الله عز وجل، وكانت عنايته بالكتاب عجيبة.
وأما الأمر الثاني الذي غبطه عليه: أنه قال قبل أن يموت: اللهم اغفر لي؛ فإنهم يزعمون أنك لا تغفر لي.
أي: إن مغفرتك وحلمك وعفوك أوسع من هؤلاء، وإني أسألك -مع أنهم يقولون إنك لا تغفر لي- أن تغفر لي، فإن يقيني بك أنك ستغفر لي.
فغبطه على هذه الكلمة، حتى إن الحسن البصري رجا له الخير حينما سمع عنه أنه قال هذه الكلمة.
فالعصاة والمذنبون ربما يكون بينهم وبين الله عز وجل توبة، وقد يكون بينهم وبين الله عز وجل عمل، فيغفر الله لهم ما كان منهم.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المخطئين والمذنبين من الأئمة: (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم -أي: عملكم الصالح- وعليهم -أي: خطؤهم عليهم-) فهذا مذنب وذنبه عليه، ولكن كونك أنت مسلم تحس بما بينك وبينه من حقوق، فلا يمنع أن تترحم عليه، وتستغفر له وتدعو له بالخير، ولعل الله عز وجل أن يرحمه بشفاعتك، فيكون هذا من الخير لك في دينك ودنياك وآخرتك؛ فإن الله عز وجل يرحم من عباده الرحماء، فيستغفر لهم ويترحم لهم، ويُذكرون بما كان منهم من صالح الأعمال، ويكف عن سيئاتهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.