Q إذا كانت المرأة متحجبة حجاباً كاملاً، وتريد أن تصلي التراويح في حرم الله، وهي تعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة صلاتها في بيتها خير من المسجد، ولعلها لو صلت في بيتها لا تدرك ذلك الأجر، فما العمل؟
صلى الله عليه وسلم فإن صلاة المرأة في بيتها وفي مخدع بيتها أفضل من صلاتها حتى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وذلك لأمور: منها: بعدها عن الفتن، وكذلك سلامة غيرها من الفتنة، فقد تكون المرأة صالحة وغيرها غير صالح، فإذا رآها فتن بها، ولو لم يكن إلا رؤية الناس للمرأة لكفى بذلك فتنة، حتى ولو كانت متحجبة، فإن المرأة إذا مرت بالرجل انبعثت به غريزته وتحرك الشيطان عليه بالوساوس، ولو كانت في أكمل حجابها، فإن الأسلم لها والأعظم أجراً لها أن تصلي في مخدعها.
ومن أعظم النعم على نساء المؤمنين امتثالهن لأمر الله جل وعلا، فإن الله جل وعلا أمر النساء بلزوم القرار بأقوى الصيغ في الأمر فقال سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ثم لم يقف الخطاب عند هذا بل قال: {وَلا تَبَرَّجْنَ} [الأحزاب:33] فجاء بصيغة الأمر بالشيء والنهي عن ضده، وهذا من أبلغ ما يكون، فحينما تقول للرجل: اجلس ولا تقم! فإنك تكون قد أكدت عليه وألزمته وفرضت عليه الجلوس أكثر مما لو قلت له: اجلس، فإن قولك: اجلس، إلزام، لكن كونك تقول له بعد ذلك: ولا تقم، أي: امكث ولا تتحرك، فهذا أبلغ في الإلزام.
ثم جاء الخطاب بصيغة الأمر وبصيغة النهي مقروناً بالتنفير، فلم يقل: ولا تبرجن، بل قال: {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33] فجاء بتلك الصورة الممقوتة، كأنه يقول: إن عدتن إلى التبرج عدتن إلى الجاهلية الأولى، فسلامة الأمة وسلامة أمة الله جل وعلا وسلامة دينها أن تبقى في بيتها.
ولتجرب المرأة، فما مكثت الشهر والشهرين في بيتها لا تخرج ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال إلا وجدت لذلك أثراً في نفسها ودينها، ولو خرجت من بيتها -ولو لحلق العلم والدرس والمحاضرات- إلا وجدت نقصاً، ولا نقول: يطعن في دينها، لكن لابد أن تجد نقصاً في الكمال.
إذاً: كمال المرأة وسلامتها وخيريتها في عدم رؤية الرجال وألا يراها الرجال، مهما كانت المرأة صالحة، فقد يمر بها الشاب المفتون، وقد يمر بها الشاب الذي رؤيته فتنة، فمن يسلمها؟! والله عز وجل أعطاها نعمة العافية، فإذا عافى المرأة وألزمها القرار كان ذلك من أعظم نعم الله عليها.
والمرأة الملتزمة التي هي في كمال التزامها لا ترتاح إلا في بيتها، فالمرأة التي لا تعرف إلا بيتها اعلم أنها امرأة صالحة وصاحبة خير، ولذلك قالت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها: (خير للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال) ويروى مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود: أن سلامة المرأة وأعظم الخير لها في عدم رؤية الرجال لها وعدم رؤيتها للرجال، فإن قيل: إنها صالحة، فغيرها غير صالح، وإن كانت صالحة فإنها مهما بلغت المرأة من الصلاح فهناك فتن لا تقوى القلوب عليها إلا برحمة من الله جل وعلا، خاصة في هذه الأزمنة، فأوصي النساء ما أمكنهن أن يمكثن في القرار، ومع هذا أوصي الرجل الصالح والزوج الصالح أنه إذا رأى امرأته تحب أن تصلي في المسجد الحرام، وهو يعرف ديانتها وخيرها أن يعينها على الخير، فلا يُشَدد ولا يُضَيق عليهن، ولكن نحن نقول للنساء: الأفضل أن يمكثن في بيوتهن، فإذا أرادت أمة الله أن تخرج وتريد الخير، فوسع لها رحمك الله، فإن النساء الصالحات في هذا الزمان لهن حق كبير على الأزواج، فالمرأة الصالحة في هذا الزمان -زوجة أو بنتاً أو أماً- تكرم ولا تهان، وتعز ولا تذل، وترفع ولا توضع، امرأة حياتها بين أربعة جدران، انظر لو مر عليك شهر وأنت بين أربعة جدران كيف يكون حالك؟! ولا يوجد عندها ملهٍ ولا مسلٍ، وهي بعيدة عن الفتن، ذاكرة شاكرة، فمثل هذه إذا قالت لك: إنها تريد أن تخرج للخير، فأحسن الظن بها.
وبعض الإخوان الأخيار يسيء معاملة النساء، فإذا علمت أن أخاك يضيق على أهله فذكره بالله، وخاصة النساء الصالحات الملتزمات الخيرات، فينبغي التوسيع عليهن ولكن في حدود الشرع؛ لأن المرأة الصالحة إذا منعت من الخروج تسلط الشيطان عليها فقال لها: زوجكِ يسيء الظن بك، وقد يكون هدفك صالحاً ونيتك صالحة، ولكن من لك في القلوب التي هي منفذ ومدخل للشيطان، فإذا أرادت أن تخرج إلى مسجد أو إلى محاضرة أو إلى ندوة فذكرها بالأفضل، فإن أصرت فلا تمنعها، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فبعد أن فرغ من حجه قالت له أم المؤمنين عائشة: (أيرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج؟ فقال لها: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة كافيك لحج وعمرة) فأصرت عليه، وفي الرواية: (أنه كان لا يرد سائلاً سأله) صلوات الله وسلامه عليه، فكان كريماً لأهله، فجعلها تخرج ثم تذهب إلى التنعيم ثم ترجع إلى الطواف وتطوف وتسعى ثم تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانظر إلى كرم خلقه صلوات الله وسلامه عليه! فأنت دلها على الأفضل؛ لأن بعض الزوجات يشكون من أزواجهن الأخيار، بأنهم يشددون في مثل هذه الأمور، فإن أرادت امرأتك فضيلة فأعنها؛ لأنها تريد طاعة الله ومحبته، فاستوصوا بهن خيراً، ورحم الله الزوج الكريم البر المحسن لزوجته الذي يخرج من هذه الدنيا وقد أحسن إليها ولم يسئ، فأحسن إليها بحسن الظن بها، وبالمعونة لها على الخير، ودائماً أنزل نفسك منزلتها في مكوثها في هذا القرار الذي تكون فيه بعيدة عن الملهيات، وغيرها من النساء في الفتن والشهوات والملهيات فلا يشعرن بالوقت، وكم يعذبن أزواجهن! وهذه أمة صالحة أنعم الله بها عليك فأحسن إليها بارك الله فيك، ووسع عليها وأدخل السرور عليها حتى في الجلوس معها، والتوسعة عليها إذا طلبت بعض الأمور المباحات بحدود وقدر، وإذا كتب الله للإنسان التوفيق فلاشك أنه على خير في حاله ومع أهله ومع الناس، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، والله تعالى أعلم.