قال المصنف رحمه الله: [إذا أجدبت الأرض وقحط المطر صلوها جماعة وفرادى].
الناس يتضررون بتأخر السقيا، وهذا الضرر قد يكون في النفس وقد يكون في غيرها.
أما الضرر في النفس فأشد ما يحدث في البوادي ونحوها، حيث تغور المياه في الآبار، وتنقطع السيول والأنهار، وتجف العيون ويذهب ماؤها، فتعظم عليهم الكلفة في حفر الآبار، وقد يقومون بحفرها دون أن يجدوا الماء، فحينئذٍ يتضررون بمشقة السقيا والكلفة التي يجدونها بعدم تيسر الوصول إلى الماء، فهذا النوع من الأسباب مما تشرع له صلاة الاستسقاء، فلو كان أهل محلة أو موضع تضرروا بسبب غور آبارهم وذهاب المياه من العيون وانقطاع السيول عنهم شرع لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء.
وأما الضرر في غير النفس فهو الذي يقع على البساتين والزروع والمراعي، فإن الدواب -كما هو معلوم- تحتاج إلى الرعي، والمراعي تعين على صلاح الدواب والبهائم، فإذا أجدبت الأرض وبعد العهد بالمطر انقطع الكلأ إما للجفاف بسبب القحط وشدة السنين، وإما أن يكون بسبب قلة المرعى لندرة المطر، فحينئذٍ تتضرر الدواب، وإذا تضررت الدواب تضرر الناس بتضرر دوابهم، وكذلك تتضرر الزروع والبساتين، فلربما جفت وماتت، حتى إن بعض الزروع لو أصابت الماء من عروقها قد تصيبها أمراض في أوراقها، ولا يزيل هذه الأمراض إلا الله جل جلاله حينما ينزل الغيث الذي يغسل أوراق هذه الأشجار، فلو سقيت الماء من جذورها فإنها تحتاج إلى هذا الغيث الذي سماه الله عز وجل ووصفه بكونه رحمة، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الخير للزروع، فإذا انقطع القطر من السماء تضرروا، فتضررت الزروع وماتت -على الأقل- تضرروا بقلة ما يكون من هذه الزروع لقلة الماء، فسواءٌ تضرروا بانقطاع الماء الذي يشربون، أم تضرروا بقلة المرعى، أم تضرروا بهما معاً، فكل ذلك مما تشرع له صلاة الاستسقاء.
وبناءً على ذلك، فلو كانت أحوال الناس دون الحالة التي فيها الكفاية، بمعنى أنه نزل عليهم الغيث ولكن نزوله لم يكن بصورة تحيي الأرض حياة ينتفع بها الناس انتفاعاً يحصل به الاكتفاء على وجه التمام والكمال، فقد قال بعض العلماء: يشرع لهم أيضاً أن يصلوا صلاة الاستسقاء.
فعلى هذا القول لا يتوقف حكمنا بمشروعية صلاة الاستسقاء على حالة شدة الجدب الشديدة، ولا على حالة شدة القحط، فلو كان هناك نوع جدب فيه نوع ضرر يشرع أيضاً أن يصلوا صلاة الاستسقاء، فلو كان الماء موجوداً ولكنه بقلة، أو كان المرعى موجوداً ولكنه بقلة فإنه يشرع حينئذٍ أن يستسقوا.
فالحالة الأولى التي يشرع لها الاستسقاء: إذا أجدبت الأرض وقحط المطر كما نص المصنف.
والحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً ولكنه لا يكفي لسد الحاجة.
والحالة الثالثة: أن يستسقوا فلا يسقون، فيشرع لهم أن يكرروا الاستسقاء مرة ثانية، ويسألوا الله العظيم أن يرحمهم، ولو تكرر ذلك عشرات المرات فلا حرج؛ لأنه داخل في عموم الندب إلى التضرع وسؤال الله الرحمة.