حكم صلاة الكسوف

قال المصنف رحمه الله: [تسن جماعة وفرادى إذا كسف أحد النيرين].

قوله: (تسن) أي: صلاة الكسوف، وقد دل على هذه السنة الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ المنذري: روى حديث الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر شخصاً من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فممن روى حديث الكسوف عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة وأسماء وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وأبي بن كعب وسمرة بن جندب وقبيصة الهلالي رضي الله عنهم، وأحاديثهم في الصحيحين وكذلك في السنن، وكلها وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف.

وقد وقع الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيه: فبعض العلماء يقول: كسفت الشمس أكثر من مرة.

وقالوا: الأحاديث التي وردت اتفقت على مرة، وهي في يوم موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.

وورد عند الزبير بن بكار بسند تكلم بعض العلماء فيه أنه كان موته في السنة العاشرة من الهجرة، ووقع ذلك في اليوم العاشر من ربيع الثاني وقام بعض الفلكيين المتأخرين بحسابه وضبطه بالعاشر من شوال من السنة العاشرة، وهذا أمر يحتاج إلى نظر؛ لأنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى مثل هذه الأمور، إلا أن حساب الكسوف أمر ممكن، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، والإمام ابن القيم وبسطا في ذلك بسطاً يحبب الرجوع إليه في (مجموع الفتاوى) و (مفتاح دار السعادة) بينا فيه أنه يقع الحساب، ويمكن للإنسان أن يعرف متى يقع الكسوف وعدد مراته إذا كان ضابطاً لحسابه، وليس هذا من علم النجوم، ولا يعد هذا من العلم المذموم؛ لأنه تابع لمنازل القمر، ويكون الاهتداء إلى وقت الكسوف راجع إلى الخبرة والمعرفة، فهو من الاهتداء بالعلامات والأمارات، وليس من باب التنجيم الذي ذم شرعاً، وإن كان اطلاع الناس على الكسوف والخسوف لا ينبغي؛ لأنه يحدث عندهم إلفاً لهذا الأمر، ويورث ضعفاً في خشية الله تعالى والخوف منه، بخلاف ما إذا فوجئوا، والعجب أنه قد يفعل هذا بعض الناس بقصد أن يذهب الخوف عن الناس، والله عز وجل أراد أن يخوف عباده وهذا يريد أن يطمئنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن كسوفهما: (يخوف الله بهما عباده)، ولذلك لا يجوز لأحد أن يخفف عن الناس، أو يقصد التخفيف عن الناس، أما إذا كان من باب الصنعة، أو من باب العلم والدراية بمواقيت الكسوف والإخبار عنها فهذا لا حرج فيه، والأفضل والأكمل أن لا يخبر الناس، حتى يكون أبلغ في زجرهم وعظتهم.

وقد اتُفق على وقوع الكسوف في يوم موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ذكرناه، وهناك رواية في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف بمكة)، وتُكلِّم عليها وهي ضعيفة، والمحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الكسوف بالناس في مكة.

وقوله: [تسن].

من العلماء من قال: سنة واجبة، كما يقول بعض أئمة الحنفية، وبعض أهل الحديث، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (فصلوا وادعوا)، وظاهر الأمر الوجوب، ولأن الخروج من الخوف يكون بما يقابله مما هو أشبه في اللزوم، لا بما هو مندوب إليه.

وذهب جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: إلى أنها سنة، وإذا قام بها البعض فإنه لا إثم على الباقين.

وقوله رحمه الله: [تسن فرادى وجماعة]، أي: من السنة صلاة الكسوف، ولا بأس أن يصليها الإنسان لوحده ويصليها مع الجماعة.

ويستوي في ذلك أن يصليها في الحضر أو يصليها في السفر، فلو كنت مسافراً ورأيت خسوف القمر أو كسوف الشمس شرع لك أن تصلي، وعلى القول بأنها نافلة تصليها ولو على الدابة، بناءً على أن صلاة النافلة يجوز فعلها على الدابة، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على دابته إلا المكتوبة)، فيصلي الإنسان ولو كان في السفر، ولو صلى مع الجماعة فهو أفضل وأكمل لندائه عليه الصلاة والسلام: (الصلاة جامعة)، وكذلك يصلي بأهله، فلو أنه جمع أهله وصلى بهم شرع له ذلك، فلا حرج أن يصليها منفرداً ولا حرج أن يصليها في جماعة، سواء أوقعت جماعته مع الناس أم وقعت مع خاصته كأهله، أو كانوا رفقة في السفر فنزلوا وصلى بهم أحدهم فلا حرج في ذلك، ولكن إذا صلى لوحده لا يخطب عند من يقول بالخطبة، وسيأتي إن شاء الله بيان حكم الخطبة، وأن الصحيح أنها ليست بواجبة، وسنبين دليل عدم وجوبها إن شاء الله تعالى.

وقوله: [إذا كسف أحد النيرين] أي: يستوي في ذلك الشمس والقمر.

وهذا يدل على أن المصنف يميل إلى أن الكسوف يطلق على الشمس والقمر، وأنه لا حرج، ولذلك قال: (إذا كسف أحد النيرين) أي: إذا ذهب بعض أو كل ضوئه فإنه يسن أن تصلي، والسنة أن يكون ذلك عند بداية الكسوف، ولا ينتظر إلى تمامه وكماله، فإن الآية تكون من بداية الكسوف، فإذا رأى بداية الكسوف أو شعر ببداية الكسوف فإنه ينادي بقوله: الصلاة جامعة.

وإذا اجتمع الناس صلى بهم، ولا ينتظر تمام الكسوف أو اشتداده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015