قال رحمه الله تعالى: [مسنون كل وقت].
(مسنون) بعد أن عرفنا ما هو السواك يرد
Q ما موقف الشرع منه؟ هل هو مأمور به أو منهي عنه؟ فقال: (مسنون)، أي: هو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على سنيته: قوله عليه الصلاة والسلام: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) هذا على العموم ولم يخصص، ولكنه يتأكد في أحوال كما سيأتي -إن شاء الله- بيانها وبيان أدلتها.
قال جمهور العلماء من السلف والخلف: إن السواك ليس بواجب، وقال بعض العلماء -وهو قول بعض أهل الظاهر-: إن السواك فرض واجب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالسواك) والصحيح: أنه ليس بواجب لما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فقال: امتنع الأمر بالسواك لوجود المشقة، فدل على أنه ليس بواجب.
وبناءً على ذلك: يعتبر السواك سنة وليس بفرض، ومن استاك أثيب، ومن لم يستك فإنه لا حرج عليه ولا إثم.
وقوله: (كل وقت) هذا على العموم، وهناك أحوال يفضل فيها السواك على غيره، منها عند الوضوء، لحديث أبي هريرة، وعند القيام إلى الصلاة، وكذلك عند القيام من النوم.
أما عند القيام إلى الصلاة؛ فلحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام -أي: إلى صلاة الليل- يشوص فاه بالسواك) يشوص فاه، أي: يدلكه بالسواك.
وكذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أنها كانت تعد للنبي صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره، فيبعثه الله من الليل ما شاء) صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يدل على أنه إذا انتبه الإنسان من النوم شاص فاه بالسواك، وكذلك إذا قام إلى الصلاة، سواء كانت صلاة ليل أو غيرها.
كذلك أيضاً عند تغير الفم بالطعام، قالوا: مع كونه عند قيامه من الليل يشوص فاه بالسواك فنعتبره أصلاً، فكلما تغير الفم فإنه يشوص فاه، ولذلك قالوا: يستحب ذلك.
وكذلك إذا جلس الإنسان مع أهله وزوجه فيستحب أن يبدأ بالسواك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك إذا جلس مع أهله، وكان لا يحب أن يشم منه ريح غير طيبة، فلذلك استحبوا أن يكون الإنسان مستاكاً في مثل هذه الأحوال، وسيأتي -إن شاء الله- بيانها وبيان الأحاديث التي دلت عليها.
قال رحمه الله تعالى: [إلا لغير صائم بعد الزوال].
قال: (إلا)، وهذا استثناء، وهو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فالسواك مستحب أو مسنون في كل هذه الأوقات.
(إلا لغير صائم بعد الزوال) والكلام بهذه الصيغة لا يستقيم.
فنقول: لعل الصواب حذف غير، فتكون العبارة: إلا لصائم، أي: إلا لصائم بعد الزوال.
أحب أن أنبه أنه في بعض الأحيان يعاجل طالب العلم بتخطئة المكتوب، وهناك أدب من آداب مراجعة الكتب: أن الإنسان إذا وجد عبارة واحتمل فيها التصحيف يكتب في الطرف: (لعل الصواب كذا) لاحتمال أن تكون هذه الكلمة صحيحة بوضعها ولكن هناك نقط وضعت في غير موضعها، أو زيدت كلمة أو حرف، أو طمست كلمة أو حرف، فلا يعاجل بالطمس وبالضرب على الكلمة، ولكن يكتب: (لعل الصواب كذا وكذا)، حتى إذا جاء آخر وأحسن النظر فيها ربما عرفها، أو ربما وجدت نسخة أخرى تبين الصحيح، وهذا هو الذي أدركنا عليه أهل العلم رحمة الله عليهم، فهم لا يجرءون على طمس الكتب وتخطئتها والتصحيح من قبل أنفسهم، وإنما يكتبون في طرف الكتاب أو في هامشه: لعل الصواب كذا وكذا، إلا الآيات القرآنية، بشرط أن يكون الذي يصححها عنده إلمام أو علم بالرواية التي يريد أن يصحح بها إذا كان المصنف التزم رواية معينة كرواية حفص، وهو يتقنها، فلا حرج أن يضرب على الخطأ، فالآيات القرآنية لا يتساهل في أخطائها وإنما تبين.