قال رحمه الله تعالى: [ويسن تبكير مأموم إليها ماشياً بعد الصبح، وتأخر إمام إلى وقت الصلاة على أحسن هيئة] قوله: [ويسن تبكير مأموم إليها ماشياً بعد الصبح].
أي: يسن أن يبكر المأموم إلى صلاة العيد ماشياً بعد الصبح؛ لأن ابن عمر فعل ذلك، وغدا إلى الصلاة وبكر، وهذا أفضل لما فيه من إدراك فضيلة الصف الأول، ولما فيه من إدراك فضيلة انتظار الصلاة، وذلك أنه سيجلس في المصلى ينتظر الصلاة، وهذه زيادة قُربة، ولما فيه من عمارة الوقت بطاعة الله سبحانه وتعالى، والإقبال عليه جل وعلا، فالأفضل له أن يبكر؛ لأنه مسابقة ومسارعة إلى الخير، وذلك مندوب إليه.
فيغدوا إلى الصلاة مبكراً مكبراً لله عز وجل معظماً، ويُكثِر من التكبير وذكر الله سبحانه وتعالى، ويرفع صوته بذلك أحياء لهذه الشعيرة في هذا اليوم، ويُسن له أن يخرج على خشوع وسكينة ووقار، وألا يأخذه الكبر، خاصة أن يوم العيد يصحبه التجمل والتزين، فيتواضع لله عز وجل، ويحمد الله سبحانه وتعالى الذي كساه من عُري، فلا يبطر نعمة الله بالتباهي، ولا يغدو على سبيل الكبر والخيلاء، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة).
وهذا الحديث يدل على أن التبختر والتباهي إذا لبس الإنسان أحسن ما يجد، أو تجمَّل أنه من الفتنة له، ولذلك عد العلماء الاختيال في المشية والتكبر فيها أنه من كبائر الذنوب، لورود هذا الوعيد -والعياذ بالله- الثابت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فلذلك ينبغي للإنسان أن يتنبه لهذا، وأن يكون بعيداً في خروجه إلى المصلى عن الكبر والاختيال والتعالي على الناس، وإنما يخرج خاشعاً متذللاً لله سبحانه وتعالى، حامداً ذاكراً شاكراً لنعمة الله عز وجل وإحسانه عليه.
وكذلك المرأة تخرج إلى صلاة العيد بعيدة عن الفتنة، فلا تتطيب طيباً يُشم منها، لا تتزين زينة تفتن الناس، فإنه إن رجعت من الصلاة رجعت بوزر قد يكون أكثر من أجرها، وخير لمثل هذه التي تفتن وتُفتن أن تلزم بيتها، فقرارها في بيتها خير لها من الخروج.
ولذلك ينبه العلماء على أنه ينبغي الاحتياط واتقاء الفتنة، فليس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشهود الصلاة مطلقاً، ولكنه مقيد بالضوابط الشرعية، فينبغي المحافظة على ذلك في الملبس وفي الهيئة، وفي صفة الخروج، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [وتأخُّر إمام إلى وقت الصلاة على أحسن هيئة].
أي: ويتأخر الإمام فلا يخرج إلى المصلى إلا متأخراً؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا في الجمعة، فالأفضل له أن يأتي وقت الخطبة أو قريباً منه، إلا إذا كان بعيداً عن المسجد ويخشى من العوارض أو ما يطرأ عليه فيبكِّر بقدر، فهذا يقيَّد بقدر الحاجة، وإلا فالأصل من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يبكر قبل الجمعة، وكذلك أيضاً قبل الصلاة، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يمضي وقت الجمعة أو الصلاة.
والسبب في هذا أن تكبيرهم -على أحد القولين- ينقطع عند رؤية الإمام، وهذا فعله بعض الصحابة، فكانوا إذا رأوا الإمام قطعوا التكبير، ولذلك قالوا: الخروج سنة، وفيه شعيرة ويتصل به حكم.
ولذلك ينبغي أن يتأخر خروجه إلى وقت الصلاة، ولا يُسن في حقه أن يبكر وأن يمضي مع الناس وأن يجلس معهم في الصحراء؛ لأن ذلك أبلغ في الهيبة والإجلال للإمامة وتعظيمها، فيخرج عند دنو وقت الصلاة، ولا يقرب من المصلَّى إلا وقد أزف الوقت، بحيث يقيم للناس صلاتهم وشعيرة العيد.
ويخرج الإمام بأحسن ما يجد من الثياب؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى حلة حمراء وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (يا رسول الله: ابتع هذه تجمَّل بها للعيد والوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)، فلم يُنكر عليه قوله: (تجمَّل بها للعيد والوفود).
فهذا يدل على أنه كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يتجمل للعيد، وإنما أنكر كونها حمراء، على تفصيل سيأتي إن شاء الله في حكم اللباس الأحمر.
فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكِر عليه قصد التجمل لصلاة العيد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاغتسال يوم الجمعة ولبس أحسن الثياب وقال: (إنه عيد)، فدل على أنه يسن التنظف وإبداء الهيئة الحسنة في الملبس، حتى يكون ذلك أبلغ في شهوده للعيد على أكمل وأحسن حال.
وكان صلى الله عليه وسلم يتجمل للعيد ويلبس أحسن ما يجد من الثياب، ولذلك ينص العلماء على هذه السنة، وهي أن الإمام يتجمل لصلاة العيد، فيلبس أحسن ما يجد، دون أن يبالغ في زينته، خاصة وأن الأئمة وأهل العلم قدوة لغيرهم.
وكان بعض العلماء رحمة الله عليهم يقولون: يستحب للأئمة والخطباء والوعاظ ومن يلي توجيه الناس أن يكون ملبسه وسطاً بين الابتذال وبين الشهرة، أي: المبالغة، والسبب في ذلك أنه لو لبس لباس الأغنياء لم يستطع أن يقرب منه الفقراء، وإذا لبس لباس الفقراء امتهنه الأغنياء والعظماء، فلذلك يلبس الوسط؛ ولأنه إن كان متواضعاً ولبس الغالي والنفيس فإن الفقير إذا جاء بجواره تضرر وشعر بالنقص بقربه منه لضيق حاله وضيق يده، ولذلك كان العلماء والأخيار يوصون بأنه ينبغي ألا يُبالغ أهل الفضل وأهل العلم في زِيهم، حتى لا يكون في ذلك كسر لقلوب الفقراء مما يوجب نفرتهم وبعدهم عنهم.
قال رحمه الله تعالى: [إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه].
أي: إلا المعتكف فيشهد العيد بثياب اعتكافه، وليس ثَمَّ نص يدل على هذا، وقد كان بعض العلماء يمنع من هذا ويقول: إنه إذا شهد العيد بثياب اعتكافه فربما كانت نتنة فآذى الناس، وربما أضرَّهم، ثم إنه يتميز عن الناس بذلك، والذي يظهر أنه يُشرع له أن يغتسل وأن يلبس أحسن ما يجد كغيره سواءً بسواء، وليس ثَمَّ دليل يخص المعتكف بهذا الحكم، والأصل أن السنة للجميع -رجالاً ونساءً- أن يتطيبوا ويتجملوا ويكونوا على أحسن هيئة، دون فرق بين معتكف وغيره.