صلاة الخوف شرعها الله عز وجل في كتابه المبين، فقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء:102]، وهذا يدل على سماحة الإسلام، وعلى حكمة التشريع، وعلى كمال علم الله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته وحلمه بعباده سبحانه وتعالى، فلو أن المسلم كان مطالباً أثناء القتال بفعل الصلاة كما هي لحصل في ذلك من الحرج ما الله به عليم.
وهذه الصلاة مشروعة في قول جماهير السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإنما خالف أبو يوسف رحمه الله وقال: صلاة الخوف لا تشرع إلا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ)) [النساء:102]، قال: فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه قد تطرأ أمور من التشريع في الصلاة ففيه معنى ليس في غيره.
والصحيح أنها تشرع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زمانه لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، وكما أن موجب الترخيص موجود في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذلك موجود في غير زمانه عليه الصلاة والسلام، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة، وأجمع الجماهير على مشروعيتها، وأنه يشرع فعلها على الصفات التي ذكرنا.