قال رحمه الله تعالى: [وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة].
السنة للإمام إذا صلى بالناس وانتهى أن يستغفر وهو مستقبل القبلة ولا يلتفت.
والسبب في هذا أنه يمكث بقدر ما يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ثلاثاً، قالوا: لاحتمال أن تكون الصلاة فيها نقص، واحتمال أن يكون قد سها في صلاته، فإذا انتقل مباشرة فإنه لا يكون بحالة أكمل مما لو بقي في موضعه.
ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يتحول مباشرة، فعلى الإمام أن يبقى، قالوا: فيه مصالح، منها: قضية تدارك ما فات، سواءٌ أكان بسجود سهوٍ، أم بقضاء ركعة بقيت وسلم قبل أن يفعلها، وكذلك أيضاً قالوا: إنه قد يكون هناك نساء يُرِدن الانصراف، فإذا عجل فإنه لا يأمن الفتنة، ولذلك قالوا: لا يبادر بالانصراف.
وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يتأخر في انصرافه قليلاً ليتمكن النساء من الانصراف، كما ورد في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام.
فهذا من آداب الإمامة، فإذا ثبت أنه لا يستعجل فكذلك أيضاً لا يتأخر، فلا يبقى معطياً للناس ظهره؛ لأنها صفة لا تليق؛ لما فيها من الانتقاص؛ لأن تولية الظهر للشيء انتقاص له.
ولذلك وصف الله عز وجل من أعرض عن القرآن بأنه اتخذه وراءه ظهريا، فإذا كان الإنسان معطياً لغيره ظهره فإن هذا لا يكون إلا بقدر الحاجة، فلما وُجِدت الحاجة بالإمامة وانتهت الإمامة فإنه ينفتل إلى الناس ويستقبلهم.
وللعلماء أوجه في جهة الانصراف: فقيل: السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر الانصراف عن يساره، وقال: (لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته)، قالوا: إذا انصرف فلا ينصرف دائماً عن يمينه وإنما ينصرف عن يساره، وقال بعض العلماء: بل ينصرف عن يمينه كابتداء انفتاله من الصلاة؛ لفضل اليمين وشرفه، ثم إذا قام وهبَّ إلى بيته، أو هب إلى موضع درسه، أو إلى موضع في المسجد فإنه يكون انصرافه عن اليسار تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا ضعيف؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في اليمين بعد أن ينفتل، ولم يكن في اليسار.
فلو كان انصراف النبي صلى الله عليه وسلم دائماً المراد به عن يمينه ثم ينفتل عن يساره، لأصبح في هذا مشكلة أنه عن يساره سينفتل إلى الجهة الغربية في المدينة، والجهة الغربية جهة الخوخات في المسجد، وهي بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وغيرهما من الصحابة، وليس ببيته وحجراته عليه الصلاة والسلام، ولم تكن إلا حجرة بعض نسائه عند باب الرحمة، وهي الجهة الغربية، ولا يمكن أن يقصدها ابن مسعود في إخباره عن أكثر انفتاله عليه الصلاة والسلام في قوله: (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ينفتل عن يساره).
والذي يظهر أن الإنسان لا يجعل حظاً للشيطان، فينفتل تارة عن يمينه وتارة عن يساره، والناس تُنكر هذه السنة، فإحياؤها طيب، ومستحب أن يحيي الإنسان هذه السنة، والأفضل أن يسبق ذلك بتنبيه للناس حتى لا يحدث تشويشاً عليهم.
قال رحمه الله تعالى: [فإن كان ثم نساء لبث قليلاً لينصرفن].
هذا من باب الرفق بهن حتى يكون ذلك أدعى لسترهن وأبعد عن فتنته.