Q هل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاةٍ في الفريضة والنافلة، أم ذلك خاصٌ بالفريضة؟
صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فيها وجهان للعلماء: أصحهما أن المضاعفة في مسجد مكة والمدينة والمسجد الأقصى شاملةٌ للفرض والنفل لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاةٌ في مسجدي هذا بألف صلاة)، فإنها نكرة، والقاعدة في الأصول أن النكرة تفيد العموم.
فشملت الفريضة والنافلة.
وقال جمعٌ من أهل العلم: إن المضاعفة تختص بالفريضة دون النافلة، واحتجوا بوجوه.
أولها وأقواها حديث رمضان، حينما أمّ النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة في قيام الليل، ثم في الليلة الثالثة امتنع من الخروج.
وقال: (صلوا في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، ووجه الدلالة أنه صرفهم عن صلاة القيام في المسجد إلى صلاتها في البيت، فدل على أن المضاعفة مختصة بالفريضة دون النافلة وأكدوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في بيته، ولم يكن يصليها في مسجده إلا ما ورد من الاستثناء في صلاة الجمعة البعدية، فقالوا: إن هذا كله يؤكد أن النوافل الأفضل فيها أن تكون في البيوت، وأن المضاعفة هذه المساجد مختصة بالفرائض دون النوافل.
والذي يترجح القول الأول الذي هو للجمهور، وهو أن المضاعفة شاملة للفرض والنافلة لعموم الحديث الذي ذكرناه، وهذا أولاً.
ثانياً: الاستدلال بحديث: (فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، الذي يظهر أنه لا تعارض بين النصين؛ فإن المضاعفة في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه) مضاعفة متجهةٌ إلى العدد، وحديث: (فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) راجع إلى البعد عن الرياء، فانفكت الجهة بين النصين، والقاعدة في الأصول أنه لا يحكم بالتعارض إلا إذا اتحد مورد النصين.
أي: أن يأتي حديث ويقول: بألف صلاة، وحديث يقول: هي بصلاة وبناءً على ذلك لا نسلم أن الحديثين متعارضان، وإنما كلٌ منهما في جهة، ويؤكد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم فليجعل من صلاته في بيته؛ فإن الله جاعل له من صلاته في بيته خيراً)، وهذا من جهة بعده عن الرياء وعمارته لهذا البيت حتى لا يكون كالقبر الذي لا يصلى فيه، فالذي يظهر -والله أعلم- أن المقصود بذلك إحياء البيوت بالذكر؛ لكي لا تشابه القبور، ولكي تعود بالبركة والخير عليه وعلى أهل بيته، وأما بالنسبة لمضاعفة الصلاة في المساجد فهي باقيةٌ على عمومها لثبوت السنة فيها على العموم.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه وسلم.