اختيار الموضع الرخو عند قضاء الحاجة

قال المصنف رحمه الله: [وارتياده لبوله موضعاً رخواً].

(وارتياده): ارتاد الشيء إذا طلبه، ومنه سمّي الرائد رائداً، والرائد في لغة العرب: هو الرجل الذي يرسله الناس إذا كانوا في سفر لكي يطلب الماء لهم، ويسمّى: رائداً، والريادة: الطلب، وارتاد أي: طلب.

قوله: (يرتاد لبوله موضعاً رخواً) أي: إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته كالبول فإنه يلتمس الأرض الرخوة؛ لأن الأرض الرخوة أمكن في استيعاب البول، وأبعد من أن تؤدي للطشاش الذي ينجس الثياب والبدن، فشرع له أن يطلب المكان الرخو، وفيه حديث ضعيف ولكن معناه صحيح، فالإنسان يشرع له أن يطلب مكاناً رخواً؛ لأنه يحقق مقصود الشرع من الاستنزاه من البول، فإن الإنسان إذا بال في مكان رخو أمن من طشاش البول.

والأماكن تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن تكون صلبة، القسم الثاني: أن تكون رخوة.

فإن كانت صلبة: فإما أن تكون طاهرة، وإما أن تكون نجسة، وإن كانت رخوة: فإما أن تكون طاهرة، أو تكون نجسة.

فأصبحت القسمة مشتملة على أربع حالات: فإن كان المكان طاهراً صلباً جلس، وإن كان نجساً رخواً قام، وإن كان نجساً صلباً امتنع من البول فيه، وإن كان طاهراً صلباً خيّر بين الجلوس والقيام، وقد جمع بعض الفضلاء هذه الصور الأربع في قوله: للطاهر الصلب اجلسِ وامنع برخو نجسِ والنجس الصلب اجتنب واجلس وقم إن تعكس هذه أربع صور.

للطاهر الصلب اجلس: يعني: إذا كان المكان طاهراً صلباً اجلس.

وامنع برخو نجس: يعني: إذا كان مكاناً رخواً نجساً، كما يحدث الآن إذا امتلأ موضع قضاء الحاجة فلا يجلس الإنسان؛ لأنه إذا جلس ربما سقط ثوبه أو تطاير طشاش البول على بدنه أو ثوبه ونحو ذلك.

والنجس الصلب اجتنب: أي إذا كان مكاناً صلباً نجساً فلا تقضِ الحاجة فيه، أعني: البول.

واجلس وقم إن تعكس: يعني: الطاهر الرخو، إن شئت فاجلس فيه وإن شئت فقم فأنت مخيّر.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بال قائماً، والسُّنة دالة على جواز البول قائماً.

ومنع بعض العلماء منه، وهو مذهب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد كانت تقول: (من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه).

وقد صح في صحيح مسلم من حديث حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) فدل على جواز البول قائماً.

قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً لعلة، قيل: كان فيه مرض تحت ركبته في المأبض فلا يستطيع أن يجلس ويثني رجليه فيجلس لقضاء حاجته، فبال قائماً للضرورة.

وقيل: بال قائماً؛ استشفاء من مرض الصلب؛ وهي الأمراض التي تصيب صلب الإنسان وظهره، وقد كانت العرب تستشفي من أمراض الظهر بالبول قائماً، فقالوا: إنه بال قائماً استشفاءً من مرض الصلب.

والصحيح: أن هذا جائز ولا حرج فيه، ولكن الهدي الأكمل والأمثل أن يبول جالساً؛ لما في ذلك من بالغ الاستتار، وإمكان التحفظ من طشاش البول، فإن بال قائماً فلا حرج عليه.

وقال بعض العلماء: بال في سباطة القوم قائماً؛ لأن السباطة مكان القذر والنجاسة، فلم يجلس صلوات الله وسلامه عليه من أجل هذا.

(وارتياده لبوله موضعاً رخواً).

الارتياد: الطلب.

(لبوله) أخرج الغائط، فإن الغائط يرتاد له أي موضع كان، وقد استثنى بعض العلماء في الغائط أن يكون هناك مائع نجس، كالحال إذا امتلأ الموضع بنجاسة البول، فإنه إذا تغوط لم يأمن من طشاش النجاسة على ظهره وثيابه، فقالوا: يمنع من قضاء الغائط في مثل هذه المواضع إذا كانت مملوءة.

وقال بعض العلماء: لا حرج عليه أن يقضي حاجته فيها بشرط أن يتحفظ فيزيل ما أصابه من طَشاش ذلك القذر النجس.

(موضعاً رخواً) إذا كان المكان الذي جلس فيه الإنسان صلباً، وعنده آلة يستطيع أن يحك بها الأرض، قالوا: الأفضل له أن يحكها، وحملوا على ذلك حديث أنس قال: (كنت أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة وعنزة)، والعنزة: هي الحربة الصغيرة وفي رأسها الزُّج وهو الحديد.

قالوا: كانت تحُمل لقضاء الحاجة؛ لأن الإنسان إذا مر على صلب نكت الأرض بها ثم قضى حاجة البول فيه، فكان ذلك أدعى لصيانة البدن والثياب من النجاسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015