والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أنه يحرم الرجوع أيضا. وهذا هو الراجح؛ وذلك لأنه اشتغل بركن، لأن القيام ركن، فاشتغل بركن، كما لو اشتغل بالقراءة، فإنه إذا اشتغل بالقراءة فليس له الرجوع، فكذلك إذا انتصب قائما، لأنه شرع في ركن. وأما التفريق بينهما بأن القيام ركن غير مقصود، وأن القراءة ركن مقصود، فهذا فيه نظر كما تقدم، وعلى ذلك فالراجح أنه ليس له أن يرجع، وقد ثبت في الصحيحين، وهو الأصل في هذه المسألة التي يذكرها المؤلف هنا من حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله تعالى عنه قال: " صلى بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فقام في الركعتين ولم يجلس، وقام الناس معه، فلما قضى صلاته، وانتظر الناس تسليمه، كبَّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم " فهذا الحديث هو الأصل في هذه المسألة، وهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام، ولم يرجع، وهذا القيام عام فيما إذا قام ولم يشرع في القراءة بعد، وفيما إذا شرع في القراءة. إذاً الراجح أنه إذا انتصب قائما فليس له الرجوع. أما إن لم ينتصب قائما فهنا لا إشكال أنه يرجع، لأنه لم يشتغل بركن، فيجب أن يرجع ويأتي بالواجب الذي تركه؛ وذلك لأنه لم يدخل في ركن، لأنه إذا دخل في ركن ثم رجع، كان في ذلك زيادة هذا الركن الذي اشتغل فيه، ثم تركه ثم عاد إليه. إذاً على ذلك نقول: أنه إن تذكر قبل أن ينتصب قائما فإنه يجب عليه الرجوع، وأما إذا انتصب قائما فليس له الرجوع على الصحيح، سواء شرع في القراءة أو لم يشرع فيها.
قوله: [وإن شرع في القراءة حرم الرجوع]
فإن رجع عمدا بطلت صلاته، لأن القاعدة أنه إن مضى حيث يجب الرجوع، أو رجع حيث يجب المضي، فإنه يكون تاركا للواجب، ومن ترك الواجب عمدا بطلت صلاته: