والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وإحدى الروايتين عن الإمام مالك، بل هو ظاهر مذهب مالك، كما قال شيخ الإسلام، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: إن ذلك لا يبطل الصلاة؛ لأن هذا ليس بكلام، فإن كلمة أف، أو التنحنح أو نحو ذلك، ليس بكلام في لغة العرب، وإنما هو بالطبع دال على المعنى، يعني بالطبع يدل على المعنى لا بالوضع، ولذا تجد أن اللغات تتفق عليه، فكل البشر يتفقون على النحنحة والتأفيف، كالبكاء يدل على التحسر، وكالضحك يدل على الاستبشار، فكذلك هذه الأصوات، فهي ليست كلاماً بالوضع، وإنما هي كلام بالطبع، وعلى ذلك يكون لها حكم الحركات، ومعلوم أن الحركات اليسيرة لا تبطل الصلاة، وقد روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده في صلاة الكسوف: أف، أف، وإن كان هذا من خشية الله، والحنابلة لا يربطون بذلك، لكن الحجة والعمدة على ما تقدم تقريره، ولذا فإنهم يقولون: " أو تنحنح من غير حاجة "، نقول: لو قال رجل " لا " عمدا لحاجة، فهل تبطلون صلاته؟
صلاته تبطل في المذهب، وإذا تنحنح لحاجة، قالوا: لا تبطل صلاته، فإذا كان كلاما، فلا ينبغي التفريق بينهما، ما دام أن كليهما كلام فلا يصح التفريق بينهما، فهذا التفريق يدل على ترجيح القول السابق. إذاً الراجح أن النحنحة أو التأوُّه، وهو قول: آه، بالمد أو الأنين وهو بالهمزة والهاء يعني بالقصر " أه " يعني يئنُّ، فإن هذا ليس بمبطل للصلاة كما تقدم تقريره. والله أعلم. انتهى الدرس الثاني في ليلة الاثنين السادس عشر من رجب لعام 1420 للهجرة.
فصل
قوله: [ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة أخرى بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا فيأتي به وبما بعده]