والراجح في هذه المسألة، وهو مذهب الشافعية: أن من تكلم جاهلاً أو ساهياً أو مكرهاً أو لانقاذ من يخشى هلكته – يعني كان كلامه واجباً -، فإن الصلاة لا تبطل، ويدل على هذا حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فإنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إذ عطس رجل من القوم، فقال: الحمد لله، فقلت: يرحمك الله؛ لأنه كان حديث عهد بالإسلام، قال: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْل أُمِّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ قال: فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمتُ أنهم يصمِّتونني، لكني سكتُّ " يعني كدتُ أن أتكلم وأن أقابلهم بشيء من الكلام لكني سكت، قال: " فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبأبي وأمي، ما رأيت معلِّماً قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كَهَرَني – أي ما قهرني - ولا شتمني ولا ضربني، ولكن قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ، قالوا: فهذا يدل على أن الجاهل لا تبطل صلاته إن تكلم، قالوا: والجاهل هو الذي يكون حديث عهد بإسلام أو نحوه، كالذي يكون في بادية، كبعض الأعراب، وأما إن لم يكن كذلك، فصلاته تبطل لتقصيره في التَّعلُّم. إذاً يُعذر بالجهل حيث لم يكن مفرِّطا في التعلم.
قالوا: وإن كان يتكلم، وهو يعلم أن الكلام حرام، لكنه يخفى عليه أنه يُبطل الصلاة، فإنه صلاته تبطل، كما لو زنى وهو لا يعلم حدَّ الزنا، فإنه يقام عليه الحد.
وأما النسيان والسهو، قالوا: فالأحاديث المتقدمة، لما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم مع أصحابه، وكان ذلك سهوا، فلم يُبْطِل الصلاة.