وأجابوا - على الحنابلة في استدلالهم بقوله: (وجعلت تربتها لنا طهوراً) –: بأن ذكر فرد من أفراد العموم بحكمه لا يفيد تخصيصاً، وهذه قاعدة ذكرها جمهور الأصوليين من أن ذكر فرد من أفراد العام لا يعد تخصيصاً، وهنا قد ذكر التراب، والتراب فرد من أفراد ما يكون على وجه الأرض من الصعيد، فذكره لا يفيد التخصيص، وإنما ذكر لكونه هو الغالب كما أن قوله: (وجعلت تربتها لنا طهوراً) : هنا قد سيق في مساق الامتنان، وما كان كذلك فإنه لا يفهم منه مفهوم مخالفة فلا يفهم منه أن ما سوى التراب لا يتيمم به.
إذاً: الصحيح أن كل ما كان على وجه الأرض مما هو من جنس الأرض، فإنه يتيمم به.
وأما الجواب: على الاستدلال بالآية: {فامسحوا بوجهكم وأيديكم منه} (1)
فالجواب: أن (مِنْ) هنا لابتداء الغاية وليست تبعيضية، أي: ابتدؤا فعل التيمم من الصعيد بأن تضرب بيديك على الأرض، كما يقال: سافر من البلدة الفلانية إلى الأخرى، فإن (من) هنا ابتدائية، ومنه قوله تعالى: {وروح منه} (2) أي روح مبتدأة من الله عز وجل.
والظاهر أن (من) هنا ابتدائية لا تبعيضية؛ لأن الله عز وجل قال بعد ذلك: {ما يريد ليجعل عليكم في الدين من حرج} (3) .
فهنا نفى الحرج، وقدمه بـ"من" التي تفيد التنصيص على العموم، فلفظة (حرج) وقعت نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، وقدم عليها لفظة (من) التي تفيد التنصيص على العموم.
أي: أن الله إنما شرع التيمم على الصعيد الطيب لئلا يجعل عليكم أي حرج كان، ولا شك أن إيجاء التراب دون غيره فيه حرج؛ لأن كثيراً من الأراضي تكون سبخة أو رملية أو طينية، فإيجاب التراب يكون فيه حرج ومشقة لذا الراجح أن (من) هنا ابتدائية.
- وذكر الحنابلة: أنه إذا كان على الثوب والفراش ونحوهما إذا ضربتهما فخرج منهما غبار فإنه يجزئ التيمم فيهما.