ولأن هذا ذريعة إلى اتهام القاضي، فيقال قد قضى بالجور ولم يقض ببينة.
ولأن هذا ذريعة إلى باب شر عظيم، فقد يسلك هذا قضاة الجور فيحكمون بعلمهم.
والقول الثاني: وهو قول في مذهب الشافعي ورواية عن أحمد: أنه يحكم بعلمه،
قالوا: لأن علمه بالشهود مقبول أي علمه بثقه الشهود أو تجريحهم مقبول – فكذلك هنا.
وهذا قياس مع الفارق، وذلك لأن حكمه بعلمه، حكم على وجه المباشرة، وأما حكمه بثقة الشهود أو تجريحهم فليس حكماً على المباشرة وإنما حكم بالشهود لكنه يعدل الشهود فليس هذا كهذا، فالأول حكم على المباشرة أي يحكم بعلمه مباشرة، وأما هنا فهو بواسطة الشهود وهو يعلم أن هؤلاء الشهود ثقات فقضى بقبول شهادتهم.
(3) وقال أبو حنيفه: يقضى بعلمه في حقوق الآدميين دون حقوق الله،لأن حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة وأما حقوق الآدميين فمبنية على المشاحة.
-والصحيح هو القول الأول لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي على نحو ما اسمع)
لكن هنا ثلاث مسائل تستثنى، فيجوز للقاضى أن يحكم فيها بعلمه:
المسألة الأولى: وقد تقدمت وهي أن حكمه بعلمه بتوثيق الشهود أو تجريحهم مقبول.
فإذا آتاه الشاهدان فقال:لا أقبل شهادتكما لعلمي بجرحكما فانه يقبل.
إن قبل الشهود ولم يطلب من يزكيهم لعلمه بهم ومعرفته لهم فإن هذا مقبول اتفاقاً.
المسألة الثانية: في أصح القولين وهو المشهور في المذهب:-
أنه يحكم بعلمه فيما يكون في مجلس القضاء.
فمثلاً: ادعى زيد على عمرو في مجلس القضاء – عشرة آلاف ريال، فقال عمرو: اقر بذلك ولا أنكره، ثم بعد ذلك أنكر عمرو، فإن القاضي يحكم بالإقرار بناءً على إقرار الرجل في مجلسه، ولا تحتاج إلى شهود ليشهدوا على الإقرار.
المسألة الثالثة: إذا كان الأمر مستفيضاً مشهوراً عند الناس يعلمه الخاص والعام فإن للقاضى – أن يحكم بعلمه – وذلك لزوال ما يخشى من الإتهام.