وبما ثبت في الصحيحين – في قصة سفرٍ للنبي صلى الله عليه وسلم – من حديث طويل رواه عمران بن حصين، وفيه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصابتني جنابة ولا ماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك) (?) فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالماء أعطاه إناء من ماء وقال له: (اذهب فأفرغه عليك) .
قالوا: فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرغه عليه ولو كان رافعاً للحدث لما أمره بذلك.
وقد أجمع أهل العلم على أن المتيمم إذا وجد الماء فعليه أن يمسه بشرته.
وإنما اختلفوا في هل هو في هذه المدة التي يجوز له التيمم، هل التيمم يرفع حدثه أم لا؟
فذهب جمهور أهل العلم: إلى أنه مبيح.
وذهب أبو حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره جماعة من محققي العلماء كشيخ الإسلام وتلميذه، ذهبوا: إلى أن التيمم رافع للحدث.
واستدلوا:
بقوله تعالى: {ولكن يريد ليطهركم} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (إن الصعيد الطيب طهور المسلم) وقوله: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) (?) .
قالوا: فهذه الأدلة مصرحة بأن التيمم طهور، والطهور هو المطهر فاعل الطهارة.
فعلى ذلك إذا تيمم فإنه تثبت له الطهارة وهي رفع الحدث، فإن حقيقة الطهور هو المطهر أي المثبت وصف الطهارة في فاعل التطهر.
فحينئذٍ: يكون طاهراً، والطاهر من ارتفع حدثه، فالطاهر في الأصل من ارتفع حدثه كذا لما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) (3) فهم من ذلك وجوب الوضوء والغسل أي فعل التطهر.
أما أدلة أهل القول الأول: فإن غايتها أن تدل على أنه مؤقت، وأن هذا الرفع مؤقت إلى أن يأتي الماء؛ لأنه بدل عنه، فمتى ما وجد الماء فإنه يبطل، فهو ما قائم مقامه ما لم ينب المبدل.
فما دام قد ثبت المبدل، فإن البدل يبطل، فيعود غير طاهر.