فالتسليم المتقدم: أن تسلم نفسها له في داره وأما المقصود هنا بمنع نفسها، أن تمنع نفسها من أن يطئها.
وكذلك لها أن تمتنع من التسليم التام الذي يترتب عليه الوطء، لها ذلك حتى تقبض صداقها الحال.
فلها أن تمنع نفسها حتى تقبض صداقها الحال وذلك لئلا تفوت عليها منفعة بضعها، فإنه إذا جامعها فقد فاتت عليها منفعة البضع بحيث لا يمكنها استدراك ذلك.
وأما الصداق المؤخر المؤجل، فليس لها أن تمنع نفسها من زوجها حتى تأخذه وذلك لأن رضاها بتأجيله متضمن لرضاها بالوطء قبل تسلمه.
قال: [فإن سلمت نفسها طوعاً ثم أرادت المنع لم تملكه] .
فإذا سلمت امرأة نفسها طوعاً لا كرهاً فليس لها بعد ذلك أن تمتنع عن زوجها، قالوا: لأن هذا التسليم منها قد استقر به العوض وهو المهر برضا المسلم فلم تمكن من استعادة المعوض بعد ذلك كالمبيع.
فإذا سلم صاحب السلعة، سلمها المشتري ولم يقبض الثمن بعد فإنه لا يمكن بعد التسليم من أخذ السلعة مرة أخرى فكذلك هنا فهذه المرأة قد سلمت نفسها لزوجها فأستقر بذلك المهر وكان ذلك برضا منها فلم تمكن بعد ذلك من الامتناع كالمبيع هذا مذهب الجمهور وهو أحد الوجهين في المذهب، وهو المشهور في المذهب.
والقول الثاني في المسألة: وهو قول أبي حنيفة والوجه الثاني في المذهب أن المرأة لها أن تمنع زوجها من وطئها بعد لك.
قالوا: لأن التسليم يوجبه عقد النكاح فلا فرق بين التسليم الأول والتسليم الثاني، فكما جاز لها أن تمتنع من التسليم الأول فلها أن تمتنع من التسليم الثاني.
ويفارق هذا المبيع: بأن التسليم مستمر أي باستمرار وطئها.
بخلاف المبيع أي السلعة فإنها حيث استلمت أصبحت ملكاً للمشتري في المرة الأولى.
وأما هنا: فالانتفاع ببعضها مستمر فكان امتناعها بعد ذلك لحفظ حقها جائزاً لها.
ولأنها إنما مكنت نفسها بناءً على أنه سيعطيها صداقها وقد منعها صداقها فكان لها أن تعود إلى الامتناع وهذا القول أظهر لقوة تعليله.