وقال الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وممن اختاره من المتأخرين الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أن الأيمان كلها لا حنث فيها مع الجهل والنسيان، وكذا لو عقدها يظن صدقَ نفسه فبان خلاف ذلك أو لقصد الإكرام، قال شيخ الإسلام: "من حلف بالطلاق كاذباً يعلم كذب نفسه لم تطلق "، وكذا من فعله متأولاً تقليداً لمن أفتاه أو فعل محلوفاً معتقداً زوال النكاح ونحو ذلك.
واستدلوا بقوله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} ، وبقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .
قالوا: وهذه أدلة عامة ليس فيها استثناء.
وقالوا: ولأن حقيقة الحنث هو مخالفة اليمين، والمخالفة إنما تكون مع التعمد، وأما مع عدم التعمد، وعدم القصد فإنه ليس ثمت مخالفة، ولأن مقصود الحالف عدم المخالفة وإذا خولف أو خالف هو نسياناً أو خطأً فإن مقصوده لا ينتقض، فإذا قال لامرأته: " إن خرجت من الدار فذهبتِ إلى السوق فأنت طالق " وهو يريد ألا تخالفه وألا تعصيه فإنها إذا فعلت ذلك نسياناً أو خطأً فإنها لا تعد عاصية ولا مخالفة لأن العصيان إنما يكون مع التعمد وهذا هو الراجح في هذه المسألة، أما إذا فعل ما حلف عليه مكرهاً فقال الحنابلة: لا يحنث وذلك لأن المكره لا يضاف إليه الفعل، فإذا قال لامرأته: " إن خرجت من الدار فأنت طالق " فأخرجت كرهاً فإنها لا تطلق وذلك لأن المكره لا يضاف إليه الفعل وكذلك النائم والمغمى عليه لزوال العقل بعذر، فإذا فعلت ذلك نائمةً أو مغمى عليها فإن الحنث لا يقع كما هو المشهور في المذهب، وكذا لو عقدها يظن صدق نفسه أو للإكرام أو كاذباً فلا طلاق ولا كفارة.
قوله: [وإن فعل بعضه لم يحنث إلا أن ينويه]