ففي الكلام ليس له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) ، ولم أرَ من الحنابلة أو ممن ذكر هذه المسألة، من تعرض لذكر خلاف في هذه المسألة، وفيما ذكر نظر، وذلك لأن الهجر لمعصية، والهجر لمعصية لا يقدر بثلاثة أيامٍ، بل تهجر بما يكون فيه مصلحة، فلا يقدر هذا بثلاثة أيام.
قال: [فإن أصرت ضربها غير مبرح]
أي ضرباً غير شديد، قال تعالى: {واضربوهن} ، وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكن أحداً تكرهونه - أي أحدٍ من النساء أو الرجال الذين تكرهونهم وليس المقصود بذلك الفاحشة - فإن فعلت فاضربوهن ضرباً غير مبرح) ، فيعظها ثم يهجرها ثم يضربها، هذه على الترتيب والآية لا تفيد ترتيباً فإن الله عطف بين هذه الثلاث بالواو وهي لا تفيد الترتيب، لكن اتفق أهل العلم على الترتيب، قال ابن الوزير: " اتفق أهل العلم على أن له ضربها إذا نشزت بعد أن يعظها ويهجرها في المضجع "، والمعنى يدل على ذلك فإنه من البدء بالأسهل فالأسهل.
فإن حصلت المشاقة بينهما ولم يستطيعا أن يتفقا فلم تستقم المرأة لزوجها أو لم يستقم الزوج لزوجته وتمادى الشر بينهما، فإن الحاكم يبعث حكمين من أهلهما، حكماً من أهل المرأة وحكماً من أهل الرجل كما قال تعالى: {فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما} ، وهنا ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: هل يشترط أن يكون الحكم من أهلها ومن أهله؟
المشهور في المذهب أن ذلك لا يشترط.
واختار شيخ الإسلام اشتراط ذلك وهو ظاهر الآية الكريمة، والمعنى يدل على ذلك فإن الحكم من أهلها يطلع على باطن الأمر ويعرف من أحوالهما ما يهتدى به إلى الإصلاح بينهما ومعرفة هل الأنسب أن يفرق بينهما أم أن يجمع بينهما، فالأرجح أن هذا شرط.