هذا فصل في القسم بين النساء، فيجب عليه أن يساوي بين زوجاته في القسم لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} ، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى الخمسة بإسنادٍ صحيح: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فهذا يدل على أنه من كبائر الذنوب، واتفق أهل العلم على أن القسم لا يجب في الحب والجماع لقوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} ، وروى البيهقي عن ابن عباس وعبيدة السلماني في قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} ، قالا: في الحب والجماع.
وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له: من أحب الناس إليك؟ فقال: (عائشة) ومن الرجال؟ قال: (أبوها) ، فالعدل في الحب والوطء غير واجب، نعم يجب عليه أن يطأ امرأته بالمعروف، لكن لا يجب عليه العدل بين النساء في الوطء، كما أنه لا يجب عليه العدل بينهم في الحب.
هل يجب عليه أن يعدل بينهم في النفقة والسكن والكسوة؟
قال الحنابلة: لا يجب ذلك، قياساً على الوطء لما فيه من الحرج، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره من المتأخرين الشيخ محمد عبد الوهاب وعبد الرحمن بن سعدي: أن ذلك واجب لأنه عدل مقدور عليه، ففارق بين الحب والوطء فإنه عدل غير مقدور عليه لأن الوطء تبع للرغبة والرغبة قلبية والحب إلى القلب فليس بوسع المكلف أن يعدل بين النساء في ذلك.
وأما النفقة والسكن والكسوة فإن العدل مقدور عليه، وهو داخل في المعاشرة بالمعروف، فليس من المعاشرة بالمعروف أن ينفق عليها دون ما ينفقه على بقية زوجاته ولا أن يكسوها دونهن وهو قادر على العدل، نعم قد يقال بما ذهب إليه الحنابلة في النفقات الطارئة التي تحتاج إليها إحداهن فيتوجه القول بعدم وجوب العدل، لما في ذلك من المشقة والحرج، فإذا احتاجت إحداهن إلى شيء لا تحتاج إليه غيرها فلا يقال بوجوب العدل حينئذٍ بل يعطى صاحبة الحاجة لأنها مميزة لحاجتها.