هذا هو أحد القولين في مذهب أحمد وأحد الروايتين عنه وهو اختيار الموفق والمجد ابن تيمية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، أن البذر لا يشترط أن يكون من رب الأرض فلو كان من العامل فهذا جائز، فلو اتفقا على أن يكون البذر من العامل في المزارعة، أو أن يكون الشجر من العامل في المساقاة فهذا جائز، والقول الثاني وهو المشهور في المذهب أنه لا يجوز ذلك، وأنه يشترط أن يكون البذر من رب المال، فإن كان البذر من العامل فهي مزارعة فاسدة، وإن كان الغراس من العامل فهي مساقاة فاسدة، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، واستدل أهل القول الأول بما تقدم من أثر عمر بن الخطاب فإنه عامل الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر - وهو النائب عن المسلمين - فلهم الشطر، وإن جاءوا - أي العمال - بالبذر فلهم كذا، فهذا هو قول عمر وفعله ولا يعلم له مخالف، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عامل أهل خبير وكانوا هم العمال لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيهم شيئا من البذور ولم ينقل هذا، ولو كان مثل هذا ثابتا لنقله رواة هذا الحديث، فلما لم ينقلوه كان الظاهر أن ذلك لم يكن منه - عليه الصلاة والسلام -، وأما أهل القول الثاني فقالوا: إن المضاربة يكون رأس المال فيها من رب المال، فكذلك البذر وكذلك الغراس فلا بد أن يكون من رب المال كالمضاربة، فاستدلوا بالقياس على المضاربة، والقياس حيث خالف ما تقدم من الأثر والسنة فهو قياس فاسد ثم إن هناك فرقا وهو أن رأس المال يرجع إلى صاحبه في المضاربة وأما البذر فلا يرجع إلى رب المال، بل ترجع إليه أرضه والربح، فكان بين البذور والمال فرقا، وعليه فالراجح هو القول الأول، وعليه فإذا كان بينهما شرط لفظي على أن يكون البذر من أحدهما فهو عليه، وإن كان هناك عرف فإنه يحكم به.