والوجه الثاني أن تحمل على المخابرة الجائرة أي المزارعة الجائرة الظالمة التي لا تكون على جزء معلوم، ويدل لهذا ما ثبت في مسلم من حديث رافع بن خديج وهو ممن روى في النهي عن المخابرة فإنه قال لما سئل عن كراء الأرض بالذهب والفضة فقال: (لا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات - وهي أطراف السواقي - وأقبال الجداول - الجدول هو النهر والمعنى: أوائل النهر - وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به) (?) [م 1547] وفي الصحيحين عنه أنه قال: (كنا أكثر الأنصار حقلا، قال كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك) (?) فهذا يدل على أنهم كانوا يتفقون على أن هذا له، وهذا للآخر، أي هذا النصف مثلا من هذه الجهة لي، والنصف الآخر وهو الجهة الفلانية لك، وهذا هو المنهي عنه، فالصحيح جواز المزارعة، والقياس الصحيح يدل على ذلك، فإنه لا فرق بينهما وبين المساقاة التي تقدم ذكرها.
قوله [بجزء معلوم النسبة]
كأن يقول: بثلث ما يخرج أو ربعه أو نحو ذلك، فلا بد أن يكون جزءا مشاعا معلوما، لكن لو قال: لي ما يخرج في هذه الجهة، ولك ما يخرج في الجهة الأخرى، أو لي طعام فسمى كذا وكذا من الآصع أو نحو ذلك فلا يجوز هذا.
هل يجوز أن يستأجر الأرض على هذه الصفة؟
فيقول: أريد أن استأجر منك أرضك بثلث ما يخرج منها، وعليه فإذا لم يزرع هذه الأرض فإن عليه أن يأتي بالثلث الذي يخرج منها عادة، بأن ينظر غلة الأراضي التي تشبهها ثم يعطي ثلثه، فهل هذا يصح؟