هذا هو النوع الرابع، وهي شركة الأبدان أو الأعمال، وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما، فيجتمع عامل وعامل ويقولان: ما يكون بيننا من العمل والربح يكون شركة بيننا، فيكون الربح بيننا على ما يتفقان عليه، كما يقع هذا في الورشات كورشات النجارة وغيرها، وقد اتفق القائلون بشركة الأبدان اتفقوا على جوازها فيما إذا كان الشريكان صنعتهما واحدة، واختلفوا فيما إذا كانت صنعة كل واحد مختلفة كأن يشترك تاجر وحداد أو نحو ذلك؟
فذهب الحنابلة إلى صحة الشركة، وقال المالكية لا تصح، وعللوا المنع بقولهم إن مقتضى الشركة أن يكون العامل الآخر الشريك ضامنا، بمعنى: أتى رجل ليعمل له هذا الشريكان صنعة، فاتفق معهما، فلم يقم صانعها بها، فإنها تلزم الآخر وهو الشريك، فإن الشريك ضامن، وهذا مقتضى الشركة، وعليه فإذا كان الشريك لا يتقن هذه الصنعة التي اتفق شريكه مع أجنبي على صنعتها فحينئذ لا يتمشى هذا مع كونه ضامنا، وأما دليل الحنابلة فهو الأصل، وهو أن الأصل في المعاملات الحل، وأجابوا عن دليل المالكية بأن كونه ضامنا لا يلزم منه أن يقوم هو بالعمل، بل يمكن أن يستأجر أجيرا ليعمل هذا العمل، أو أن يتبرع له متبرع بهذا العمل، فلا يشترط أن يقوم هو بهذا العمل، قالوا: ويدل على هذا أنكم تقولون - أي المالكية - إذا كان العمال أحدهما أمهر من الآخر فإنكم تصححون الشركة، مع أن الأمهر إذا لم يقم بهذا العمل فإن من دونه من العمال لا يمكنهم أن يقوموا به كما أراد الطالب، فإذا جاز هذا فإذا اختلفت الصفة فكذلك، وهذا القول هو الراجح، والحاجة داعية إلى مثل ذلك فإن المصانع الكبيرة وورشات السيارات ونحو ذلك تحتاج إلى عدة مهن، وقد يشتركون فيها مع اختلاف مهنهم.
قوله [فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله]
كما تقدم لأن هذا هو مقتضى عقد الشركة وهو الضمان.
قوله [وتصح في الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات]