وبه نستعين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
فصل
قوله [الثالث: شركة الوجوه]
أي الشركة بالوجوه، والمراد بالوجه: الجاه، أي الشركة التي سببها الجاه، وصورتها أن يشترك اثنان فأكثر بأخذ شيء من الأموال في ذمتيهما ويتاجران بها ويكون الربح بينهما وهم يأخذون هذه الأموال في الذمة على ثقة التجار، ولا يشترط أن يشتركا في البيع والشراء، فإذا قال كل واحد منهما أنت وكيل لي وكفيل بالثمن الذي آخذه فإن الحكم يثبت، أو اتفقا على أن يكون بينهما شركة وجوه، إذن شركة الوجوه حقيقتها أن يكون كل واحد منهما وكيلا عن الآخر وكفيلا له، فإذا اتفقا على هذا فاشترى زيد بضاعة ثم باعها فيكون تصرفه في هذه السلعة شراء وبيعا يكون عن نفسه أصالة وعن عمرو وكالة، ويكون الربح بينهما على ما اتفقا عليه، وكذلك إذا اشترى عمرو شيئا من السلع ثم باعها فشراؤه وبيعه فيه تصف عن نفسه أصالة، وعن زيد وكالة، وزيد كفيل له، فلا يشترط أن يكون البيع والشراء بينهما بالسوية.
وقد أجاز هذا النوع الحنابلة والأحناف، ومنع منها المالكية والشافعية، قالوا: لأنه لا مال فيها ولا عمل، فهما لا مال لهما، بل المال في الذمة فهذه الشركة مبنية على الذمم، ولا عمل فيها أيضا، وكل منهما يعمل بهذا المال الذي يأخذه ثم يتصرف فيه تصرفات تجارية ويكون الربح بينه وبين الآخر، وقال الحنابلة والأحناف: بل هي صحيحة لأن الأصل في المعاملات الحل، وليس فيها غرر يمنعها، ولأن حقيقتها كما تقدم أن كل واحد منهما وكيل عن الآخر وكفيل له، وما ذهب إليه الحنابلة والأحناف هو الراجح إذا لا مانع منها.
قوله [أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما فما ربحا فبينهما]